من الحزب

الرفيق حميد مجيد موسى من تونس: فرص بناء دولة مدنية ديمقراطية تبقى متعثرة ما بقي وباء الطائفية

بغداد – طريق الشعب"

شارك الرفيق حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في المؤتمر الوطني التأسيسي الأول لحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي التونسي، المنعقد يومي 21 - 22 حزيران في العاصمة التونسية. والقى الرفيق موسى
في المؤتمر كلمة في ما يلي نصها:

الرفيقات العزيزات
الرفاق الأعزاء
اسمحوا لي باسم رفاقي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وباسم الشيوعيات والشيوعيين العراقيين جميعا، ان اقدم أجمل التحيات وأسمى التهاني والتبريكات، بمناسبة انعقاد المؤتمر التأسيسي لحزبكم. اقدمها مقرونة بتمنياتنا النجاح لاعمال مؤتمركم العتيد، وهو وريثُ تاريخ نضال مديد، وجهود مضنية لمناضلين اشداء من أجل الحرية والديمقراطية، وسعادة الشعب وعزة الوطن، ومساهمٌ فعال في نضال الشعب التونسي لترسيخ قيم الديمقراطية ومؤسساتها الدستورية، لما فيه خير عموم الشعب، وشغيلة اليد والفكر، وللحفاظ على مبادئ وأهداف ثورة الربيع التونسي.
أيها الاعزاء
نلتقي وشعبنا العراقي يعيش اياماً عصيبة، بعد ان تمكنت قوى الارهاب والظلام من نشر سلطتها، المؤقتة حتماً، في ربوع بعض مدننا العزيزة، لتقيم حكم القرون الوسطى، ومفاهيم التخلف والرجعية باسم الدين، والدين منها براء، ولتعمل تقتيلا في الأبرياء، وتخريبا وتدميرا في الممتلكات والتراث الحضاري لشعبنا.
واظنكم على بينة من أن ما حصل اخيراً ليس بمعزل عما عاشه العراق في السنوات الأخيرة، من أزمة عميقة شاملة، ولدتها تركة سنوات طويلة من حكم الاستبداد والديكتاتورية، وإفرازات الاحتلال الأمريكي- الدولي، وتدخلات الدول الاقليمية، وفاقمها تصاعد النشاط الارهابي، وتنامي مظاهر الفساد السياسي والإداري والمالي، وزادها تعقيداً سوء إدارة الحكم، ونمط التفكير اللاديمقراطي المتخلف، المستوطن في سلوك ونهج القوى السياسية، القابضة على مقاليد السلطة في البلد. كما لا يمكن عزله عما يعيشه العراق من صراع المصالح بين القوى المتنفذة، على السلطة والثروة والنفوذ، وعلى صياغة ملامح حاضر ومستقبل البلد، السياسي والاقتصادي، وتوظيفها الكثير من الوسائل والآليات غير الشرعية، المتعارضة مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، لتحقيق مآربها. وهذا ما ترك البلد يغرق خلال السنوات الماضية، في لجة الفوضى والتوتر الاجتماعي، والعنف المنفلت وعدم الاستقرار، وتلكؤ التنمية والشلل الاقتصادي، والركود على كل المستويات وفي شتى الميادين، الاجتماعية والثقافية والنفسية.
رفيقاتي رفاقي الأعزاء
ان البلاء الاكبر الذي اسس لكل هذا التدهور والتمزق والتطاحن هو التعصب الطائفي، وتجلياته المقيتة في نظام المحاصصة الطائفية- الاثنية، الذي بنيت عليه العملية السياسية المعاصرة في العراق. هذا البلاء الذي انتجته عقول ومصالح محلية، وكرسه الاحتلال الامريكي. وان فرص بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية، ومؤسسات شرعية وحكم قانون، واحترام للدستور، ومكافحة فعالة للفساد، وبالتالي تصفية ظاهرة وممارسة الارهاب المستشري، ستبقى متعثرة ما بقي هذا الوباء مستحكما في الارض العراقية، وفي بناها الاجتماعية ونظامها السياسي.
ان التجربة العراقية تصلح، ايها الرفاق، ان تكون عبرة ودرساً لكل المناضلين في البلدان العربية والبلدان الاسلامية، وهم يواجهون مهمة اعادة بناء بلدانهم، بما ينسجم مع المصالح العليا الجذرية لشعوبهم، ومحاربة الفقر والجهل والمرض، وتحقيق التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وضمان الحرية وترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، وتأمين الاستقلال والسيادة الوطنية. درسا يعلمهم أن يحذروا ويتجنبوا التعصب الطائفي، الذي تسعى بعض قوى الاسلام السياسي المتطرفة المتشددة، وقوى الامبريالية، لتسويغه وترويجه خدمة لمصالحها، ولمطاحها السياسية الى الزعامة والهيمنة. هذا الطريق الذي لن يوصل إلا الى الاحتراب بين ابناء الشعب الواحد، والى شق صفوفهم وتفتيت أواصر تماسكهم وتخريب وحدتهم الوطنية، وبالتالي إدامة الفوضى والتخلف، وتبذير الثروات واضاعتها في مسارب الفساد والجريمة المنظمة، والحروب الطائفية- الاهلية.
وتبقى المعالجة الجذرية لمشاكل البلد ولأزمته المستعصية، تكمن في الخلاص من نهج المحاصصة الطائفية - الاثنية، والالتزام بقيم الديمقراطية الحقيقية، بأبعادها السياسية والاجتماعية ومؤسساتها، وبناء أجهزة الدولة وآليات تشكيلها انسجاماً مع مبادئها، وبأعتماد اساليب ادارة وحكم، تحترم حقوق الانسان وتؤمّن ممارستها سياسيا واجتماعياً، لضمان المواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال والسيادة الوطنية. إنها الطريق لاقامة الدولة المدنية الديمقراطية، التي توفر كل المستلزمات الضرورية، لاطلاق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية المستدامة، واستثمار ثروات الشعب والوطن الغزيرة، لخير ابنائه ورفاههم وسعادتهم وتقدمهم الحضاري، والارتقاء بالوطن الى مصاف الدول العصرية المتقدمة.
ونحن إذ نتصدى بحزم للارهاب والارهابيين، ونسعى الى دحرهم وانقاذ الوطن من شرورهم بكل السبل المشروعة المتيسرة، نجد انفسنا في أمس الحاجة الى تعزيز وحدة القوى المناصرة للعملية السياسية الديمقراطية، والى حل المشاكل العالقة بينها عبر الحوار وبواقعية سياسية ومرونة، وعبر تقديم تنازلات متقابلة، للوصول الى الحلول الوسط المشتركة، بعيداً عن التعنت والتزمت، وعن الاصرار على تغليب المنافع الذاتية على حساب المصالح العامة. فضلا عن توفير أمثل المستلزمات لتأمين استقرار البلد، والحفاظ على أمنه وسلامته وتطوره الطبيعي الحر الكريم، بعيدا عن التدخلات الأجنبية: الدولية والاقليمية، التي لم نجن منها إلا السوء والأزمات والتفريط بمصالح أمننا الوطني.
أعزائي
ان لدى جماهير شعبنا وقواها الوطنية والديمقراطية، الكثير من الطاقات ومستلزمات النهوض، والخبرة الكافية والتجربة النضالية الطويلة. ولو انها أحسنت استخلاص الدروس، وتوفرت على الإرادة والنية الحسنة، وغلبت مصالح البلد العليا، ونجحت في تدبير أمورها واعادة بناء علاقاتها وتنظيم صفوفها، لكانت قادرة وبجدارة، على انقاذ الوطن من كبوته، وضمان ما يساعد على حل أزمته، وتأمين اطلاق مسيرته نحو بناء العراق المدني الديمقراطي، الحر المستقل، وطن العراقيين والعراقيات كافة.
أيتها الرفيقات ايها الرفاق
أننا على يقين من تضامنكم مع شعبنا في محنته، وتفهمكم لمصاعب مسيرته وتعقيداتها. ويهمنا ان نؤكد لكم أن رفاقكم في الحزب الشيوعي العراقي سيواصلون، من دون تردد وفي الصفوف المتقدمة، حمل راية الديمقراطية والتقدم، لتحقيق شعارهم في الوطن الحر والشعب السعيد.
نكرر تمنياتنا النجاح لمؤتمركم، وكلنا ثقة من أنكم ستتخذون من القرارات والتدابير، ما يجعلكم في الموقع اللائق لخدمة الشعب التونسي وكادحيه، عاملا مؤثرا في حياة بلدكم السياسية والاجتماعية، وفي مسيرة تعزيز الديمقراطية وحماية حريته واستقلاله وتقدمه..
النجاح للمؤتمر التأسيسي لحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي التونسي.