من الحزب

حميد مجيد موسى: عقد المؤتمر الوطني حاجة وضرورة ملحة

بثت فضائية " ريكا" - القسم العربي يوم الثلاثاء 17حزيران الجاري حوارا مع الرفيق حميد مجيد موسى ، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ننشر في ادناه نصه:

بلدنا يمر بكارثة بكل المعاني

أهلاً وسهلاً بكم ومرحباً بمشاهديكم الأعزاء . بلدنا يمر بمرحلة خطيرة، وما حصل يشكل كارثة بكل المعاني، وهو أمرٌ غير طارئ أو مفاجئ بالمحتوى، يمكن هو كذلك بالشكل، بمظاهر التجلي ظهرت المفاجأة، ولكن ما حصل من تدهور أمني مريع، من انكسار عسكري فظيع، هو محصلة ونتيجة لمقدمات وتراكمات لم تظهر اليوم، وإنما كان لها تأسيس منذ سنوات، وخصوصاً في السنتين الأخيرتين. ولكن بسبب ضعف الإهتمام بعمق الازمة وعدم تدارك معطياتها والتحرك لمعالجة آثارها، هو ما دفع وأسس لهذا التقيح، لهذا التأزم والانفجار الذي رأيناه مدوياً مروعاً، مؤذياً لحاضر العراق ومستقبله.
فسقوط مدينة كالموصل، وهي ثاني مدن العراق، وأطراف من المحافظات الأخرى القريبة منها، هو هزيمة بكل المعاني، لا يمكن قبولها بهذه السهولة. والأمر يتطلب التصدي الجاد عاجلا لمساعي الارهابيين للتمدد نحو مناطق أخرى، ولتهديد محافظات أخرى. لا بد من التفكير بأسباب وخلفيات ما جرى، والبحث في السبل الأنجع لمعالجتها والتخلص منها، لأنه أذا تواصل العمل بهذه المنهجية، واعتماد أساليب وحيدة الجانب فقط، مقصورة على تدابير عسكرية وأمنية دون السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، فان الحالة سوف تتكرر بكل تفاصيلها في فترة أخرى، أو في مكان آخر . لهذا فالكارثة كبيرة، وتتطلب البحث الجاد في خلفياتها وأسبابها، وهي كثيرة تبدأ اساسا في النهج المعتمد في إدارة شؤون الدولة، اعني البلاء الذي حل بنا عند بناء مؤسسات الدولة والحكومة على أساس المحاصصة الطائفية الأثنية. هذا أولاً . وقد تسبب هذا في صراعات شديدة ولا شرعية بين القوى السياسية المتنفذة . وان خلاف هذه القوى وصراعها على الثروة والنفوذ والسلطة، دفع البلد الى حافة الهاوية والى مزالق لا تحمد عقباها، وقد حذرنا طويلاً منها. فالذات والمنافع الخاصة والغنائم، هي ما يشغل بال المتحاصصين في الحكومة، هي ما يشغل بال القوى المتنفذة، وليس هموم المواطن وأمنه واستقراره وتقدمه وضمان أمنه. لذلك تأسست أجواء سياسية واجتماعية وترتبت حواضن وتحركت قوى مستفيدة، مستِغلّة كل السوء في إدارة الدولة، وفي إدارة الأجهزة العسكرية والأمنية والإدارية، والفساد المستشري، للمباغتة بعمل عسكري أمني مجرم، يؤذي آلاف وآلاف المواطنين، ويعرض استقلال وأمن البلد عموماً للخطر الشديد ولتهديدات كبرى لاحقة .

نظام حكم المحاصصة قاد الى شلل مؤسسات الدولة

ما هي العوامل الاخرى المختلفة التي أدت الى ذلك ؟

لنعدد الأسباب بطريقة سريعة . هناك نظام ونهج المحاصصة الطائفية الأثنية، الذي ولد تنافسا وصراعا بين القوى المتنفذة، وترك هذا الصراع تأثيره بصورة بلبلة وقلق وعدم استقرار وشلل في كل مؤسسات الدولة . وبالنسبة الى المؤسسة العسكرية، فهي مطالبة حسب الدستور أن تتشكل لها عقيدة وطنية، أي أن لا تُزج في الصراعات الحزبية الضيقة، ولا في الشأن السياسي والصراعات السياسية على السلطة والنفوذ. فمهمتها هي حماية الوطن من شرور التدخلات الخارجية، ومن انتهاكات السيادة والاستقلال. ولكن بسبب نظام المحاصصة تسللت العدوى الى المؤسسة العسكرية الأمنية. وبسبب الصراعات والخلافات السياسية المستدامة، والتي لا افق لحلها، تسلل الركود والبلبلة وعدم الانسجام وغياب التماسك حتى داخل القوات العسكرية. هذا ثانياً . وثالثاً فان المؤسسة العسكرية بذاتها تعاني من ضعف التدريب والتسليح والتمويل، ومن ضعف الانضباط والتدريب. وهذا كله أضعف قدرتها على التعامل مع تطورات الاحداث . ولنلاحظ أن المؤسسة العسكرية لا تملك أجهزة مخابراتية كفوءة. وبالمناسبة اذكر ان بعض الصحف العراقية الصادرة في بغداد يوم 31 ايار الماضي نشرت على صفحتها الأولى معلومة، تحذر الحكومة من أن داعش يتهيأ لاحتلال الموصل. ألم تكن عشرة أيام كافية، لو كانت لدينا أجهزة مخابرات وإدارة عسكرية كفوءة، في أن تتعامل بكفاءة مع تلك المعلومة الاستخبارية، وتستبق الأحداث وتتخذ من الاجراءات ما يردع داعش ويمنع هذا التداعي؟ فهذا نقص واضح . المعلومة المنشورة تؤشر أن هناك الكثير من رجالات الأجهزة الأمنية والعسكرية متورطون في الفساد والسرقة والتعامل في تهريب النفط مع داعش ورجالات داعش، ومن يمثلون داعش في المدينة أو حول المدينة .
نخلص الى ان هذه كلها نواقص، ومنها نقص التعاون والتنسيق مع البيشمركة ومع حكومة الإقليم في كردستان . وهذا انعكس سلباً على المزاج السائد، وبضمنه المزاج داخل القوات المسلحة، من ناحية، ومن اخرى حال بينها وبين الاستفادة والتنسيق في المعلومات المخابراتية، وفي الخطط العسكرية، مع قيادات وقوى مستقرة (مثل قوات الاقليم) لها تجربة وعمر أطول من قواتنا الجديدة، التي تأسست بعد سقوط النظام الدكتاتوري .

ما حصل له اسبابه الداخلية الاساسية

نعم، وهناك أيضاً عناصر مندسة اخترقت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وولاءاتها ليست للوطن ولا للنظام الجديد والعملية السياسية الديمقراطية، فهي مشتراة قسم منها بالرشوة لتكون أداة بيد أعداء الديمقراطية من قوى الردّة، وقسم هم أصلاً منتمون لهذه القوى، متعاونون ومنسقون معها في اشاعة الوهن والتفكك والتشرذم، ونشر عناصر الهزيمة وإضعاف المعنويات في صفوف القوات العسكرية والأمنية. لذلك نشهد هذه الحالة الفظيعة المخزية من الهروب والانكسار، في اللحظة التي كانت تتطلب صموداً ومواجهة حقيقية للقوى المندفعة الغازية المحتلة، سمها ما شئت - من عناصر داعش وغيرها .
هذه الأسباب متداخلة، وقد يقال أنها مؤامرة. وأنا شخصياً والحزب الذي أتحدث باسمه لا ينفي وجود تآمر خارجي. ولكن حصر الموضوع بالتآمر الخارجي فقط، هو خطيئة كبرى تغطي على العوامل الداخلية الاساسية والرئيسية التي ادت الى ما حصل . نعم العوامل الخارجية مؤثرة ومساعدة، ولكنها تنمرت وازداد تأثيرها بسبب العوامل الداخلية، الحاضنات الداخلية لهذا التآمر الخارجي، والمتعاونين الداخليين . هذا يجب أن يؤخذ بالاعتبار . نعم هناك دول لا ترغب وتكره أن ترى العراق آمناً ومستقراً والشعب العراقي متمتعا بالحرية وبالديمقراطية، وبالبناء والاعمار، وبالرفاه الاقتصادي. نعم، هذا يتناقض مع مصالح امنها القومي ، وكل له حساباته في هذا الشأن. ولكن ما الذي إتخذناه نحن من إجراءات وتدابير وسياسات، لشل هذا التدخل ولمنعه من التأثير على مجريات الصراع الداخلي؟ هل عززنا الوحدة الوطنية ؟
الآن أيضاً، يمكن أن تضاف الى ذلك معطيات الوضع السوري، وما يجري هناك ليس بجدبد. فالقوات السورية تتقاتل مع المعارضة، مع الإرهابيين، منذ ثلاث سنوات. ألم يحن الوقت لاتخاذ التدابير ولوضع الخطط لمنع تسلل معطيات هذا الصراع الدموي الى الأرض العراقية؟ ماذا فعلنا؟ كيف حمينا الحدود؟ كيف تعاملنا مع أهل المناطق التي تقع على الحدود؟ هذا في اعتقادي عامل من العوامل التي أثرت .
كذلك هناك موضوعة التنسيق بين السلطات الاتحادية والحكومات المحلية، الذي إتسم في السنوات الأخيرة بحالة من الجفاء والتنابز والصراعات العبثية . فالحكومة المحلية تتبرم وتتضايق من أي وجود للسلطة الاتحادية، والسلطة الاتحادية تسعى للتضييق على حقوق وصلاحيات الحكومة المحلية، بل أصبح الشغل الشاغل لكلا الطرفين، تصفية الحسابات وتربص البعض بالبعض الآخر، ما ترك المجال والأرض رحبة واسعة لنشاط تحالف واسع، في اساسه داعش، التي هي (ماشة النار)، رأس النفيضة والواجهة .

هناك من تحالف مع داعش المجرم

ولكن هل من الصحيح أن نتحدث عن أن العملية كلها هي مجرد نشاط لداعش؟ داعش تنظيم وحشي ومجرم يقترف اعمال قذرة، جرائم قتل وتصفيات. نعم، ربما يقال أنه مدعوم مالياً ومتمكن تسليحيا ً ولوجستياً وإعلامياً بدعم من بعض دول الخليج وتركيا وغيرها. وهذا صحيح، ولكن الحاضنة الداخلية هي الأهم، هناك من تحالفوا في مدينة الموصل وحول الموصل من بقايا النظام الفاشي السابق، بقايا البعث الصدامي الذين لم يجر التعامل معهم بجدارة وبكفاءة، لتصفية مراكز وخلايا عملهم النائمة. انها قوات متبقية من الأجهزة الأمنية والمخابراتية والخاصة والحرس الجمهوري، وهم بالآلالف موجودون في المدينة، ولم تجر معالجة قضاياهم ومشاكلهم. هناك حركات مسلحة إرهابية، نقشبندية وفصائل أخرى، الآن تسمي نفسها مقاومة وثورة، ولكنني أسأل أي ثورة هذه التي تتكيء على الإجرام والوحشية في انجاز مهماتها؟ أليس خزيا على هؤلاء أن يقولوا أنها ثورة، وهم يجعلون من داعش، هذا الوحش الكاسر، أداتهم الضاربة في المجتمع العراقي، وفي التعامل مع أبناء وطنهم وأبناء جلدتهم؟ هذه كلها عوامل وأسباب وخلفيات ان لم نضع اليد عليها، وان لم نعمل بجد لمعالجتها، فلن نستطيع أن نواجه بكفاءة ونجتث جذور هذا الذي حصل في الموصل، وحول الموصل، وإنما سنؤسس لاحتمالات لاحقة لا تقل سوءاً عما حصل .

حذرنا من المخاطر المحدقة ببلدنا

انت تحدثت عن التحذيرات في الصحف ؟

انا تحدثت وجعلت السبب الاول هو سوء الادارة والنظام المعتمد في ادارة شؤون الدولة، وهو نظام المحاصصة الطائفية الاثنية، الذي تتحمل مسؤولية إدامته واستمراره كل القوى السياسية المتنفذة بمستويات مختلفة، ولكن المسؤولية الرئيسية تقع على رأس الحكومة . والقضية لا تنحصر في الأيام الأخيرة . ونحن كحزب شيوعي ومنذ أكثر من أربع أو خمس سنوات حذرنا وبملء الفم وبالوضوح الكافي من أن البلد يواجه مخاطر جدية واحتمالات خطيرة سيئة، وقلنا أن البلد يعاني أزمة. في البداية زعل المسؤولون، بعد ذلك قالوا ان البلد لا يعاني مجرد أزمة، ولكن هو في حريق. وقلنا أن البلد يواجه احتمال التفتت والتشرذم والانقسام والحرب الطائفية والحرب الأهلية، ان لم يجر تدارك الأمور ومعالجة القضايا السياسية المعقدة والاقتصادية والاجتماعية. تحدثنا ايضا عن التدخل الخارجي وقلنا ان العراق مستباح ومنتهك السيادة والاستقلال بسبب ضعف الوحدة الوطنية، بسبب عدم كفاءة الأجهزة المخابراتية والأمنية والى آخره. كل ذلك قلناه وحذرنا من إن العراق مقبل على مفترق طرق . يمكنكم العودة الى وثائق اللجنة المركزية في كل اجتماعاتها ، والى مقالات "طريق الشعب". وأكثر من هذا التقينا بالمسؤولين، كل المسؤولين المعنيين، وحذرناهم ونبهناهم الى أن البلد مقبل على كوارث إن لم يتداركوا الأمر، وقدمنا مذكرة الى رئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء ورؤساء الأحزاب والكتل، ولكل الجهات، وقدمنا مذكرة ثانية، والتقت وفود من الحزب مع كل هذه الجهات. لكن لاسميع ولا مجيب، لأن المصالح الذاتية الضيقة هي المتحكمة، ومصالح البلد العليا وآفاق تطوره هي آخر ما يجري التحسب له والاهتمام به .
هذه العوامل والمواقف هي التي وفرت الظروف والأجواء لوقوع هذا الذي جرى الآن . يجب أن لا نلطم الصدور ونقول الآن صارت مؤامرة . نعم، فالمؤامرة كانت موجودة منذ سنوات، والتدخل الخارجي منذ سنوات، والانتهاكات والتصرفات غير السليمة منذ سنوات، وقد جرت اعتصامات ومظاهرات واحتجاجات. كان من المفروض التحسب لهذا اليوم، لأن التراكمات الكمية تؤدي إلى تغييرات نوعية (كثر الدگ يفك اللحيم ). نعم هناك قضايا كانت تستحق المعالجة السريعة الكفوءة بروح الوحدة الوطنية، بروح التصافي عبر الحوارات عبر الحل الجاد للمشاكل، عبر إزالة كل شعور بالإقصاء بالتهميش، وبذلك نقطع الطريق على داعش وأمثال داعش من المتربصين بالعملية السياسية الديمقراطية. هذه الأوضاع كلها هي التي استفاد منها داعش وغير داعش

الملح والآني هو هزيمة داعش ومشروعها الظلامي

كيف ترون الوسائل الناجعة الآن، وهل تكفي الحلول العسكرية والأمنية ؟

نحن نتعامل مع الحدث بمنتهى الشعور بالمسؤولية الوطنية، نحن لا نتشفى ولا نتربص لأن الخطر الداهم يعنينا كما يعني غيرنا، وهذا موقفنا حينما كنا نحذر وننبه إلى المخاطر، وهو مُنطلق من هذا الشعور الوطني الخالص والصادق . لهذا حين وقعت الواقعة وارتكبت الجريمة بالبشاعة التي شهدناها كان علينا كحزب ومن منطلقاته الإنسانية والوطنية والأخلاقية أن يسعى لتعبئة كل قوى وطننا الخيرة في مواجهة هذا الكابوس والطاغوت والتصدي لهذه الهجمة الوحشية الشرسة . نحن بحاجة إلى الوحدة الوطنية . يبقى كيف نعالج هذا الذي حدث الآن، بالتأكيد أن المُلّح والآني هو تعبئة كل قوى شعبنا لمساندة القوات المسلحة لإيقاف تقدم داعش ومساندي داعش، وجهدهم التخريبي المدمر للبلد وممتلكات البلد وأرواح أبناء البلد وثقافة الشعب، هذه مهمة أولى ورئيسية وعاجلة لا تقبل التأجيل، لذلك دعونا كل القوى لتعبئة وحشد كل الإمكانيات للتصدي لداعش ومن يدعم داعش، ودعونا لإجراءات أخرى تعزز المجهود الحربي وعدم الاكتفاء به ، وأنا لا أخفف من أهميته وأولويته في اللحظة الراهنة، ولكن نحتاج ايضا الى تدابير سياسية وإجراءات اجتماعية وعمل إعلامي وثقافي وتوعوي وتربوي متكامل مع العمل العسكري، عبر هذا سوف تنجح مهمتنا . فالانهيار المعنوي الذي حصل يتطلب عملا فكريا ثقافيا إعلاميا كفوءا كي نشد أبناء الوطن ونرتقي بمعنويات قواتنا المسلحة وأجهزتها الأمنية لتدارك ما حصل ولتوفير قوة معنوية أقوى من معنويات الداعشيين ومن يساندهم ويدعمهم ويمولهم . نعم الحاجة ماسة لإجراءات كثيرة على كل الأصعدة . إن سألتني كيف، وما هي ؟ اقول نعم، الآن حملة التطوع هي أحدى الوسائل الفعالة، ولكن أتمنى ويتمنى معي الكثيرون من المخلصين لهذا البلد، أن لا تتحول حملات التطوع إلى حملات تجييش طائفي. فالتجييش الطائفي وتحويل المعركة إلى معركة بين طوائف هو هدف وطريق ووسيلة داعش، ومن وراء داعش، وسيلتهم الأساسية للتغلب على مصاعبهم، ولتجييش من يريدون تجييشه . فإذن كما قالت كل القوى السياسية والمرجعيات الدينية يجب الابتعاد عن كل ما يؤجج الطائفية من ناحية ويؤجج العنصرية، خصوصاً وإن البعض وجدها فرصة لتصفية حسابات مع الإقليم والكرد، وهذه جريمة بحد ذاتها. فكيف لنا الآن ونحن في الحالة التي نحن فيها، أن نبدأ معارك من هذا النوع بدلاً من توحيد الجهود وتصفية الخلافات للقضاء على الخطر الأساسي وهو داعش، والتخلص من هذه الكارثة الكبرى ؟ من الناحية الثانية يتوجب ضبط تحرك وانتظام عمل الأجهزة الإدارية وخصوصاً الاقتصادية. فتجار الحرب ذوو النفوس الضعيفة يحاولون إشاعة الفوضى في مفاصل المجتمع، في زيادة الأسعار وإخفاء المواد التموينية والغاز وغيرها، يجب ان نردع هؤلاء فهم يخدمون داعش في مشروعهم، يخدمون الإرهابيين وأعداء الديمقراطية في مشروعهم . وثالثا يجب توفير مستلزمات إنهاض القوات المسلحة بدعمها بالكوادر والمعلومات، يجب استنهاض حملة إعلامية للرد على الإشاعة وهي الآن تفعل فعلها الكبير في معنويات الناس، وفي معنويات القوات المسلحة . لداعش ومن خلفها أجهزة ومنابر خارجية وداخلية تعينهم في تسويق افتراءات وأكاذيب وتأويلات وإشاعات . لا بد لنا من تعزيز وتحصين قوانا وإمكانياتنا في الحرب النفسية التي تحتل موقعاً كبيراً ليس فقط في الحرب العسكرية المباشرة ،بل في اثارها الخبيثة على المجتمع وهي استطاعت أن تحقق بعض النجاحات . كيف نردعها؟ بأي أسلوب؟ بالتأكيد ليس بالتضييق على الحريات، وإنما مع الحريات يجب أن نوسعها، ولذلك لا بد هنا من الانفتاح على قوى المجتمع، حتى التي نختلف معها سياسياً وفكرياً، لكي تساهم من موقعها وبطريقتها في ردع داعش.

التطوع لدعم قواتنا المسلحة بعيدا عن الطائفية

ما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذ في هذا الخصوص ؟

نحن قلنا ما يمكن قوله حول التعبئة الشعبية الجماهيرية، وهي مطلوبة وضرورية لدعم قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية في التصدي لخطر داعش ومن وراءها، وقلنا ان التعبئة عبر التطوع يجب أن تبتعد عن الطائفية وعن التعصب والعنصرية. فالتطوع مهمة كل أبناء الشعب بمختلف أديانهم ومذاهبهم، هذا اولا وثانيا ان تكون هذه التعبئة في إطار المؤسسة الرسمية وليس خارج المؤسسات الرسمية، فهي ليست مناسبة لبناء أجهزة ومليشيات خاصة للأحزاب وللقوى. الآن يجب اعتماد ما هو نظامي، منعاً للفوضى ولكي تتركز الاهتمامات والقوى في اتجاه واحد، نحو الخطة المنسقة التي تضمن تجهيز قواتنا المسلحة بالمورد الكفؤ المؤهل. وقلنا أيضا أننا يجب أن نخوض الحرب النفسية سوية مع الأجهزة المتمكنة وذات القدرات الكبيرة، لتعزيز معنويات الجيش والشعب وردع الإشاعات والأكاذيب والافتراءات. هذا أيضا قلناه. ونقول كذلك ان هناك حاجة لردع الذين يتلاعبون بقوت الشعب ويسهلوا للعدو مهماته بأضعاف تماسك الناس والجماهير، وإضعاف معنوياتها برفع الأسعار وتغييب المواد الاساسية. كما ان على أجهزتنا الدبلوماسية في الخارج العمل على تهيئة وتحشيد الرأي العام العالمي، وإيضاح حقيقة ما يجري . فالذي يجري هو عمل إجرامي إرهابي وليس كما يدعي البعض ثورة . والاهم من هذا وذاك أن على الحكومة وهي تتحدث عن التصدي الفعال وضرورة تعبئة كل الممكنات، أن تسعى لتمتين الوحدة الوطنية، فهذه ليست شعاراً فضفاضاً فارغاً. الوحدة الوطنية تتجلى في قوى وأحزاب سياسية وشخصيات وطنية وهناك حاجة ماسة لدعوتها والحوار معها . الكثير من الأطراف والقوى وبضمنهم حزبنا، يتحدثون عن ضرورة الدعوة لمؤتمر وطني عاجل، يتشاور فيه المعنيون ذوو المصلحة والمسؤولية حول التصدي لقوى داعش والإرهاب ومن وراءهم، يتداعون الى عمل تشاوري، الى نقاش وحوار جديين بغية تجنب الخوض في الخلافات الجزئية والمنابزات، والتوجه نحو تركيز التفكير والجهود على كيفية توفير المستلزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية والثقافية لإجهاض المشروع الشرير، الذي يريد العودة بالعراق القهقرى إلى عهود الدكتاتورية والظلام والفاشية. هذا مطلوب عاجلاً وليس آجلاً، ويجب أن توفر له المناخات والأجواء والمستلزمات، وان تأجيله ليس من مصلحة احد.

هيئة استشارية تنبثق عن المؤتمر الوطني

يسترعي الانتباه ان الإرهابيين اختاروا لعدوانهم هذا الوقت، ما بين نهاية دورة برلمانية وبدء دورة جديدة ..

نعم أصبت، انه اختيار للحظة بمنتهى الخطورة والحساسية. لا استطيع أن انسب الذكاء لداعش، ولكن يبدو ان هناك من هو وراء داعش اختار اللحظة الأنسب على كل الأصعدة . حيث تفاقم الخلافات داخل وبين القوى السياسية المعنية بتشكيل الحكومة الجديدة، وبين الحكومة الاتحادية والإقليم ..الخ وهم استثمروا الفراغ التشريعي الناشيء. فالآن ليس لدينا هيئة تشريعية برلمانية، حيث انتهى عمل مجلس النواب في 14 حزيران الجاري، وهذا يعني أن السلطة التنفيذية لم يعد بمقدورها اتخاذ المزيد والجديد من القرارات، فهي حكومة تصريف أعمال في إطار ما سبق وان اتخذ من قرارات وسن من قوانين وتشريعات، وهذا يصعّب عمل الحكومة . قانون الطوارئ مثلا هو احد مظاهر هذا التعقيد .مع أنني اعتقد أن لدى الحكومة الكثير من الوسائل والأساليب والتعليمات والتوجيهات السابقة، التي تمكنها من أداء مهمتها حتى مع عدم وجود قانون طوارئ . الان هناك جدل قانوني بشأن قانون السلامة الوطنية، وغير مفهوم عن اي قانون يجري الحديث. ولكن هناك قانون مكافحة الإرهاب الذي يتيح للحكومة في إطار المعقول والمنطقي ان تمارس تصريف أعمالها بما يساعد على مواجهة الإرهاب . لكن دعنا نقول انه ما زال هناك فراغ تشريعي وحكومة تصريف أعمال فقط، وما زال الكل يتحدث عن الوحدة الوطنية.
هناك بالفعل كارثة وطنية، وما زالت هناك صعوبات وعقبات تحول دون عقد مجلس النواب سريعاً وتشكيل الحكومة الجديدة سريعاً، فلماذا لا نذهب كما قلت قبل قليل، إلى الاستعانة بممثلي الشعب من قادة الأحزاب والقوى السياسية المعروفة بدورها الوطني، وبتأسيسها للعملية السياسية الديمقراطية، وبنزاهتها وحرصها على حماية الوطن وإنقاذ الشعب من هذه الكارثة، بعقد المؤتمر الوطني. وهذا المؤتمر الوطني الذي يجب أن يعد له بسرعة (والسرعة لا تعني التسرع، لكن الوقت ثمين في هذه اللحظة)، يمكن ان يقوم باختيار هيئة استشارية لمساعدة الحكومة، التي ليس لها مجلس نواب يعينها في هذه اللحظة وحتى انعقاد مجلس النواب الجديد، كذلك وجود المؤسسات الشرعية حتى تشكيل الحكومة الجديدة. فتقوم هذه الهيئة الاستشارية المنبثقة عن المؤتمر الوطني بتقديم المشورة والرأي والمساعدة في تحشيد القوى وتعبئة الجهود، لمناصرة القوات المسلحة والجهات المعنية في التصدي للخطر الداهم من جانب داعش ومن يقفون خلف داعش.
اعتقد ان كل الضرورات الموضوعية متوفرة، وهذا مشروع لا يضر أحداً، ويؤسس لمشاركة الشعب بحق وحقيقة، ولا يسعى الى تصفية حسابات. انه في هذه اللحظة مشروع يؤمّن الافادة من العقل الجماعي للمجتمع العراقي، ويوفر الطاقات الكبرى لخدمة المشروع الوطني الديمقراطي في مواجهة قوى الشر والظلام، التي تفرض نفسها الآن في بعض المحافظات وتسعى لتكريس وجودها فيها.

التوافق السياسي مطلوب قبل التئام مجلس النواب الجديد

ما الذي يمكن عمله حتى انعقاد الجلسة الاولى للبرلمان ؟

قامت المحكمة الاتحادية بما هو ضمن مسؤوليتها الدستورية بالمصادقة على نتائج الانتخابات، ولكن تعرفون أن الانتخابات جرت في أجواء غير صحية وشابها الكثير من الأخطاء والشكوك والنواقص، وستبقى بصمة تلك الأجواء فاعلة في التعامل مع نتائجها، ومع الأزمة. بل هي أصبحت جزءا من الأزمة، مظهرا من مظاهرها. لذلك لن تسير الامور حسب اعتقادي طبقا لجدول العمل أو الأجندة، التي يضعها الدستور للحالات الطبيعية. فنحن لسنا في وضع طبيعي، وتأخير المصادقة على الأربعة مرشحين لا يمنع البعض من أن يقدموا طعونا في قضايا كثيرة أخرى . فليس بالضرورة أن تتم الدعوة لعقد مجلس النواب خلال خمسة عشر يومأ. وحتى لو دعي، هل سيتحقق النصاب؟ هذا يتطلب جهدا سياسيا وتوافقا سياسيا. لذلك تحدثنا عن ضرورة عقد مؤتمر وطني، يسهل عملية التوافق السياسي . وبذلك وعبر هذا الطريق سنختصر الوقت ونحقق المطلوب في دعوة مجلس النواب لينجز مهمته الدستورية في اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجددية .
فما جدوى عقد الجلسة الأولى من دون توافق سياسي؟ هل لتصبح مفتوحة لأشهر لاحقة، علما ان المحكمة الاتحادية لا ترضى بذلك الآن، أم أن المطلوب هو التوافق أولاً، ومن ثم الدعوة لعقد مجلس النواب، لكي نتجنب المفتوحة ؟ عند ذلك وحينما نتوافق وبمسؤولية، نستطيع أن نوفر اكثرية الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية، وقبله انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه، ثم التوجه لتكليف رئيس الوزراء. اما من هو رئيس الوزراء؟ فهذه مشكلة قامت الدنيا بشأنها منذ اشهر ولم تقعد بعد . هل يمكن حسم الامر في هذه اللحظة بتوجيه مناشدات وإهابات، أم أن الامر يحتاج الى عمل جدي؟ لتحديد رئيس الوزراء الذي سيكلف، وهل سيستطيع تشكيل الوزارة خلال شهر كما ينص الدستور . نعم، انه استحقاق في آخر المطاف .

سيبقى مطلوبا تشكيل حكومة وحدة وطنية

ماذا عن صراع سقوف المصالح للعديد من الكتل ؟

نحن كحزب شيوعي طرحنا بديلا قبل الانتخابات، وما زال الذي طرحناه واجب التحقيق ويستحق العمل من اجل تجسيده. فبدون حكومة وحدة وطنية تجمع القوى السياسية الفاعلة في المجتمع العراقي (من دون إهمال الاستحقاقات الانتخابية) وتتفق على برنامج ينهي نظام المحاصصة الطائفية الاثنية، ويضع في سلم أولوياته إعادة بناء البلد والعملية السياسية، بما يضمن ترسيخ الديمقراطية ومؤسساتها، وبناء المجتمع المدني والعراق الديمقراطي التعددي الفدرالي البرلماني المستقل.
بدون ذلك لن تقوم للاستقرار قائمة في العراق، ولن نواجه الإرهاب بكفاءة، ولن نستطيع اجتثاث الفساد، ولا وضع الاقتصاد على السكة الصحيحة، وإنهاء حالة الشلل والضياع التي نعيشها . لذلك سيبقى شعارنا اليوم وغدا، ومثلما كان سابقا، هو اقامة حكومة وحدة وطنية، باعتبارها الوحيدة القادرة على إنقاذ الوطن وتخليصه مما هو عليه من أزمة عميقة مستعصية.

10 حزيران يوم فاصل في التاريخ السياسي العراقي المعاصر

ان الخطر الداهم، الجريمة التي ترتكب، لا تعني فصيلاً واحدا دون آخر، إذا كنا نشعر بالمسؤولية الوطنية والحرص على البلد ومصالح الشعب. الكل معني بنتائج العملية الإرهابية، ولذلك فان على القوى السياسية جميعا، ومثلما تعلن هي الآن، أن تضع في أولوياتها التصدي للجريمة الكبرى، لكارثة الإرهاب ولتقدم داعش . وهذا بالمنطق السياسي المعقول، يؤشر ويخلق الأرضية الموضوعية لإزاحة الكثير من الخلافات الثانوية والصراعات الجانبية، والكثير من الحدة والمكابرة والغرور والتعنت، واللجوء بالتالي إلى الواقعية السياسية، الى الحوار والسعي إلى إيجاد المشتركات والحلول الوسط لإنقاذ البلد مما هو فيه من كارثة وأزمة .
نحن نراهن على الشعور الوطني بالمسؤولية، ونراهن أيضا، وقبل كل شيء، على الضغط الشعبي العام الشامل . ان المجتمع العراقي في قلق هائل، وهو يطالب الجميع بالتخلي عن المصالح الذاتية والأنانيات، ويشدد على ضرورة أن يقوموا بما يسهّل تحقيق التوافق الوطني، ويؤمّن الوصول الى ذلك. وهذا هو الأساس.
فاللحظة الراهنة التاريخية العصيبة التي يمر بها الوطن تتطلب نهجا آخر غير النهج الذي اعتدنا عليه قبل 10 حزيران .
10 حزيران يوم فاصل في مسيرة العملية السياسية، وفي التاريخ السياسي العراقي المعاصر. فليدرك الجميع هذه الحقيقة وليتصرفوا بموجبها وليكفوا عن التربص والترصد والشماتة وتصفية الحسابات الضيقة الخاصة . ان الشعب والبلد في خطر، ويجب على كل الأطراف، وفي مقدمتهم الحكومة، ان تعي ذلك. فالحديث ليس موجها للمعارضين وحدهم، والذين ينسجم كثير من آرائهم مع رأينا في معالجة الأمور.
نعم، على الجميع الوعي بما حصل في 10 حزيران.