من الحزب

المغزى السياسي والاقتصادي لخروج العراق من طائلة الفصل السابع / رائد فهمي *

من المتوقع ان يوافق مجلس الأمن في جلسته التي ستعقد في السابع والعشرين من الشهر الجاري على توصية الأمين العام للامم المتحدة، بان كي مون، بنقل عملية التعامل مع تنفيذ العراق لما تبقى عليه من التزامات دولية من احكام الفصل السابع إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، والذي ينص على حل الصراعات بين الدول بصورة سلمية وعبر التفاوض الثنائي مع امكانية الاستعانة بالمنظمة الدولية في ذلك.
ويجدر التذكير بان القضايا العالقة المتبقية بين العراق والكويت باتت تقتصر على ملف ذي طبيعة انسانية يتعلق بالكويتيين المفقودين والممتلكات، وإلتزام آخر ذي طابع مالي يتعلق بتسديد مبلغ 11 مليار دولار يدين بها العراق للكويت، وهو المبلغ المتبقي من اجمالي قيمة التعويضات البالغة 53 مليار دولار التي الزم العراق بتسديدها للكويت بموجب القرارات الدولية وفق أحكام الفصل السابع، وعلى وفق وتيرة التسديد الحالية، من المتوقع ان يسدد العراق هذا المبلغ عام 2015. ومن المتوقع ان يتضمن ايضاً التقرير الذي سيقدمه الأمين العام في السابع والعشرين من حزيران انهاء قرار 833 المعني بالحدود مع الكويت.
ومن المعلوم ان الخروج من الفصل السابع وما يفرضه من وصاية دولية على العراق ، كان هدفا اساسياُ للحكومة العراقية منذ انهاء حالة الاحتلال وتنفيذ العراق لالتزاماته الدولية وقيام نظام الحكم على اسس دستورية ديمقراطية تعتمد مباديء حسن الجوار ويسعى إلى السلام ، ما يلغي اي مبرر لاستمرار اعتباره يشكل تهديداً للامن والسلام الدوليين. لذا فان تحقيق هدف خروج العراق من الفصل السابع يعتبر انجازاً مهماً نحو استعادة العراق لسيادته الكاملة ولدوره ومكانته الدولية. وانعكست اهمية ودلالة هذا القرار في التوصيف الذي يحمله تقرير الأمين العام للامم المتحدة، حيث اعتبر ان هذا القرار يفتح صفحة جديدة في علاقة العراق بالاسرة الدولية عموماً، ومع الكويت بشكل خاص. ويطوي القرار آخر صفحات الآثار والتداعيات المدمرة لغزو قوات النظام الدكتاتوري السابق للكويت والحروب التي اعقبتها، كما اعتبر بان كي مون تقديم مشروع القرار بصورة مشتركة من قبل الوفدين العراقي والكويتي «لحظة تاريخية» تجسّد الشوط الكبير الذي قطعه العراق والكويت في دمل الجراح العميقة التي خلفها الغزو والحروب اللاحقة وداعياتها المريرة على الشعبين العراقي والكويتي، وما تبشر به هذه اللحظة من آفاق رحبة لاعادة ترميم جسور الثقة والعلاقة بين البلدين وتنميتها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولكن يجدر التأشير ايضاً ان بان كي مون وصف تخلص العراق من الفصل السابع بالخطوة التي تجعل العراق «يقترب» من استعادة مكانته الدولية، بمعنى ان الاستعادة الكلية لهذه المكانة والانتهاء من اي دور دولي في مراقبة شؤونه سوف يتحقق عندما يفي العراق بكامل التزاماته في الملفين المتبقيين، وبشكل خاص فيما يتعلق الأمر بتسديد المتبقي من قيمة التعويضات عام 2015.
ففي ضوء ما تقدم، ان الأثر الأبرز لهذا الحدث يتجلى في الجانب السياسي على صعيد ممارسة العراق لحقوقه السيادية الكاملة وفي النظرة الدولية إزاء العراق، اذ ستعكس موافقة مجلس الأمن على توصية الأمين العام استعادة ثقة العالم بالعراق والانتهاء من صورة الدولة المهددة للأمن والسلام الدوليين التي خلفتها السياسات الطائشة والعدوانية للنظام السابق.
ولا شك انه سيكون للقرار المنتظر لمجلس الأمن وقع وتأثير على الصعيد الأقتصادي ايضاً، بعضه مباشر يتعلق بانتفاء الضرورة للجوء إلى وسطاء في بعض العمليات مع االأسواق والمؤسسات المالية الدولية وفي الحصول على التكنولوجيا المتقدمة في بعض المجالات وكذلك على بعض السلع والمواد التي يتعذر على العراق الحصول عليها وهو يخضع لأحكام الفصل السابع إلا بموافقات واجراءات معقدة، وسييسر ذلك تعاملات العراق التجارية والمالية على الصعيد العالمي. والأهم من ذلك سيعطي هذا القرار، وما ينطوي عليه من تقييم دولي ايجابي لأوضاع العراق وآفاق تطوره، اشارة مشجعة للمؤسسات والشركات العالمية وللمستثمرين ما يوفر بيئة افضل لامكانية اجتذابهم للعراق.
غير انه يتوجب التأشير والتنبيه إلى ان القرارإذ يوفر اجواء ومناخات أفضل لاجتذاب الاستثمار الخارجي والشركات العالمية الرصينة وللتعاملات الدولية، لا تتحقق هذه الامكانية والفرص التي تتيحها وتتحول إلى تدفقات استثمارية ما لم تستكمل شروط أخرى، في مقدمتها اجراء الاصلاحات القانونية والادارية الضرورية للقضاء على الروتين والاجراءات المعقدة، واعتماد معايير الكفاءة والنزاهة في تولي المسؤوليات. كما يصعب توقع حدوث تغيير جذري في النظرة إلى العراق كبلد مخاطر طارد للاستثمار دون مكافحة جادة وفعّالة للفساد، ووجود سياسات اقتصادية ومالية واضحة للدولة.
واذ ننظر بامل إلى المستقبل، حري بنا ان نولي الأهتمام بالدراسة والتحليل والتوثيق لآثار ونتائج نظام العقوبات الاقتصادية القاسية الذي فرض على العراق بموجب احكام الفصل السابع، لا على الصعيد الانساني والمعاناة الجسيمة للشعب العراقي على مدى عقدين تقريباً وحسب، بل على ألآثار الطويلة الأمد التي تركتها منظومة العقوبات الدولية على البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع العراقي . وتكشف تجربة العراق بان هذه الاثار تغور عميقاً في مرتكزات الدولة وفي منظومة القيم والسلوك الاجتماعيين. ومثل هذا الجهد العلمي المتعدد المناهج يكتسب اهمية عالمية في الوقت الذي لا يزال يجري التلويح بفرض عقوبات دولية، تحت احكام الفصل السابع للتعامل مع بعض الأزمات الدولية.
*عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي