من الحزب

على طريق الشعب ...في التصدي لإرهاب داعش ودحره

ما زالت تعقيدات وتداعيات انتكاسة 10 حزيران الماضي، السياسية والعسكرية، تتفاعل. فقد تمكن داعش الارهابي من السيطرة على محافظة الموصل، والتمدد في محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى والانبار واطراف بغداد وشمال محافظة بابل. وارتكب الارهابيون خلال ذلك وبعده جرائم وحشية مروعة، دللت على همجية وظلامية هذا التنظيم ، وكونه يقع خارج التاريخ. وقد شمل باجرامه العرب والكرد والتركمان والايزيديين والمسيحيين وغيرهم ، واضطر مئات آلاف المواطنين الى ترك منازلهم، والنزوح بحثا عن الامان في اوضاع مأساوية ومعاناة مستمرة رغم ما يقدم لهم من مساعدات. فهذه لا تفي بالحاجة، خصوصا مع قدوم فصل الشتاء والاضطرار الى اخلاء المدارس، الامر الذي يتطلب معالجة انسانية عاجلة.
ولم يكن ما حصل في 10 حزيران من دون اسباب ومقدمات سياسية وعسكرية واجتماعية، كما لم يكن بعيدا عن النهج الخاطيء الذي كان معتمدا في ادارة البلد، وفي طريقة التعامل مع القوى السياسية ومع المحافظات، والاسس التي بنيت عليها المؤسسة العسكرية والامنية، وحالة التشنج والقطيعة بين الحكومة الاتحادية والاقليم .
و قد حفز ما حصل عوامل جديدة في المشهد، فرضت نفسها كعوامل نشطة في التصدي لهذا السرطان. فكانت جموع الحشد الشعبي، ونشاط البيشمركة، والتحرك الدولي الداعم، التي ساعدت جميعا على وقف التدهور في المعنويات، خصوصا في صفوف القوات الامنية. كذلك فعلت فعلها حالات الصمود من جانب بعض القطاعات والمدن، ولاحقا دحر داعش في العديد من المناطق، ومنها آمرلي والضلوعية وربيعة، رغم ما يقوم به داعش من اختراقات هنا وهناك واستنفار لقواه، الامر الذي لا يؤشر ثقة بالنفس قدر ما يوحي بالضيق وبالسعى من ثم لفتح جبهات جديدة، تخفف من الضغط الحاصل في مناطق اخرى.
ولا شك في ان الدعم الدولي كان له دوره في هذا السياق، وهو حاجة فرضها تطور الاحداث وتلاقي المصالح. فداعش لم يعد خطرا محليا او اقليميا مجردا، بل غدا يهدد الكثير من الدول في عقر دارها. لذلك نشهد الآن لحظة توافق دولي كبير، جاء منسجما مع قرارات مجلس الامن ذات الصلة، فضلا عن انه تم اصلا بناء على طلب من الحكومة العراقية، التي تعرف جيدا الحاجة الى هذا الدعم والاسناد، في التدريب والتجهيز والمعلومات الاستخبارية، وفي الغطاء الجوي الذي نعاني من نقص واضح فيه. علما ان المطلوب هو بقاء هذا الدعم محددا في سياقات وآليات واهداف معينة وواضحة، مع بقاء الامور بيد الحكومة العراقية، وبما يحفظ للعراق سيادته وقراره المستقل .
وفي هذا السياق وانسجاما مع قرارات مجلس الامن، هناك الكثير مما يتوجب على العامل الدولي فعله، ومنه التوجه الجاد لتجفيف منابع الارهاب والقضاء على مصادر تمويله وتسليحه، والحؤول دون تنقل عناصره بيسر واستخدام ذلك كاوراق سياسية ضاغطة في لعبة المصالح، على حساب الناس والآمهم ودمائهم .
على ان الحكمة والادارة الكفؤة تتجسدان في مدى تفعيل العوامل الوطنية العراقية الداخلية، للاستفادة الامثل من هذا الدعم الواسع والمتعدد، الاقليمي والدولي. فللعوامل المذكورة الاولوية في هذا الحراك المتصدي المتنامي، بما يدعم الجهد الوطني العراقي . وبدون ذلك قد يطول الامد، وقد تكبر الخسائر وتتكرر الخروقات المؤلمة. لذلك فالحاجة ماسة الى تكاتف الجبهة الداخلية، وتعظيم الاستفادة من الحشد الشعبي، وضبط ايقاعاته ضمن خطط الدولة وتوجهاتها ، والسير بخطوات مدروسة نحو المصالحة الحقيقية، وتنفيذ البرنامج الحكومي بشأن معالجة قضايا المساءلة والعدالة ، وتشكيل الحرس الوطني على اسس واضحة ، كونه رديفا للجيش والشعب في معركته ضد الارهاب، وليس بمعزل عن مؤسسات الدولة. واصبح من الواجب والملح رعاية ودعم عناصر المقاومة المتنامية في المناطق التي يسيطر عليها داعش، خصوصا وان الغالبية العظمى من ابناء تلك المناطق تعاني الامرين على يد التنظيم الارهابي، وباتت تدرك على نحو متزايد حقيقته ومراميه ، وهي التي تتطلع الى حياة طبيعية آمنة .
ويبقى في المقدمة واجب السعي الى بناء نظرة استراتيجية شاملة للمؤسسة العسكرية و الامنية، ولاعادة بنائها وتخليصها من ثغراتها ونواقصها ، واقامتها على اسس سليمة تجسد الكفاءة والوطنية والاخلاص للتجربة السياسية. وهذا لن يتم من دون ان تبعد عنها العناصر الفاسدة والمرتشية وغير الكفؤة، ومن دون تسليحها بالعقيدة الوطنية وابقائها بعيدة عن التعصب الطائفي والعنصري، والتفكير في تهيئة مستلزمات العودة الى التجنيد الالزامي. وفي هذا السياق يتوجب تشجيع ودعم الدعوات الى حصر السلاح بيد الدولة، والتصدي للنشاط المنفلت من طرف بعض التشكيلات المليشاوية المسلحة .
ان داعش خطر داهم يهدد الجميع، وان التصدي له يتطلب الانفتاح على تشكيل اوسع جبهة تناهضه، وبناء تحالف وطني داخلي متين، وتفعيل آليات التشاور مع مختلف القوى السياسية الحريصة على مسيرة البلد وأمنه واستقراره، عبر عقد مؤتمر وطني يكون وعاءً ومرشدا لتحقيق مصالحة حقيقية، وتكون قوى العملية السياسية الاساسية سداه ولحمته.
وفي هذا السياق تاتي آنية الحاجة الى معالجة ملف العلاقة بين الحكومة الاتحادية والاقليم، ومعالجة الملفات العالقة وفي المقدمة اطلاق رواتب موظفي الاقليم، التي ليس هناك ما يبرر حجبها كونه عقوبة للناس. كما ان المعركة المحتدمة ضد داعش تستوجب دعم البيشمركة، والتعاون والتنسيق العسكريين الامنيين الميدانيين على مختلف المستويات. وهذا كله يستدعي تفعيل الحوار بين الطرفين .
ولا بد ، ونحن نتحدث عن تفعيل عناصر القوة في التصدي لداعش ومخاطره ، من الاشارة الى اهمية استكمال تشكيلة الكابينة الوزارية، وملء الفراغات فيها وبالذات في وزارتي الدفاع والداخلية، واسناد المسؤولية الى عناصر كفؤة ومهنية. واملنا ان لا يتقيد الاختيار بالمحاصصة المقيتة والتحزب والانانية الضيقة .
ويتوجب خوض معركة فكرية - سياسية - اعلامية على الصعد كافة، لفضح داعش ودوافعه والتصدي لدعاياته ومنهجه التدميري. فهزيمته على هذا الصعيد ذات اهمية اساسية في الاجهاز النهائي عليه .
ان الاولوية الوطنية لا بد ان تكون لوقف تمدد داعش، وللتضييق المتواصل عليه وصولا الى دحره والخلاص من شروره. وان عوامل الانتصار متوفرة شرط تفعيلها وتنسيقها في استراتيجية وطنية متكاملة.