من الحزب

كلمة ممثل الحزب الشيوعي العراقي الرفيق أيوب عبد الوهاب في لقاء الأحزاب الشيوعية والعمالية في الشرق الأوسط

الرفيقات العزيزات.. الرفاق الأعزاء

في البدء انقل لكم تحيات رفاقنا في قيادة الحزب، و رفيقات ورفاق حزبنا جميعا. واعبر باسمهم عن اعتزازنا بجهودكم ونضالكم المتفاني من اجل تقدم وسعادة شعوبنا و كادحيها، و نتمنى النجاح لاجتماعنا هذا الذي ينعقد تحت شعار: "نحو سلام عادل ودائم، ومن اجل التضامن مع الشعب الفلسطيني".
لقد أكد حزبنا في مؤتمره الوطني الأخير، التاسع ، على:
ان اسرائيل تسعى ، في كل يوم ، الى اضافة حقائق جديدة على الارض وفرضها كأمر واقع. ومن ذلك مواصلتها الاعتداءات العسكرية، واستمرارها في عزل قطاع غزة ، وبناء المستوطنات، وتهويد القدس، وتوسيع الجدار العازل . كل ذلك يجري وسط تواطؤ امريكي مكشوف لدعم اسرائيل وخططها، رغم ما يبدو من تغييرات شكلية في سياسة أمريكا في عهد اوباما تجاه التعامل مع قضايا الشرق الأوسط عموما، وقضية فلسطين خاصة، لا سيما لجهة التشديد على إقامة الدولتين. فضلا عن الآثار السلبية لاستمرار الانقسامات في صفوف القوى الفلسطينية، والعجز الواضح في النظام العربي الرسمي عن دعم الشعب الفلسطيني و اسناد قضيته. وبدلا من هذا نرى تسابق عدد من الدول العربية الى التطبيع مع اسرائيل، قبل ان تفي هذه بكامل التزاماتها وفقا للشرعية الدولية.
ان تجربة السنوات السابقة قد برهنت على فشل المراهنة على الموقف الامريكي ، وضرورة التوجه الى الالتزام بمرجعية القرارات الدولية ومؤسسات الامم المتحدة ، بما في ذلك القرارات ذات العلاقة بانسحاب اسرائيل الى حدود ما قبل 5 حزيران 1967 ، وبقضايا اللاجئين والقدس. ان فكرة التخلص من ثنائية المفاوضات برعاية أمريكية منحازة ، والتوجه الى عقد مؤتمر دولي جديد ترعاه الامم المتحدة ويتوج بإعلان دولة فلسطين، هي المخرج الواقعي من المأزق الراهن.
وان التمسك بذلك يتطلب، من بين ما يتطلب، وضوح الرؤية الفلسطينية، و تعزيز الوحدة الوطنية ، والتوجه الى حشد التأييد العربي والدولي..
وفي ظل الظروف والمعطيات الجديدة نجدد تأكيد ضرورة التنفيذ الكامل للقرارات الدولية، والاستجابة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، و إقامة دولته الوطنية على ارض وطنه ، و انهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية.
وفيما يتعلق بالعدوان الاسرائيلي على غزة نرى:
أولا : ان العدوان الوحشي على غزة هو محاولة بائسة لقمع نضال الشعب الفلسطيني العادل من اجل الاستقلال الوطني، وتزويق الادعاءات لإبعاد الرأي العام المحلي والعالمي عن الحقائق وتضليله بهدف تعميق الخلافات الفلسطينية وتفكيك الحكومة التوافقية وزيادة الفصل بين القطاع والضفة الغربية والقدس الشرقية. وإبعاد الأنظار عن مسؤولية اسرائيل عن تعثر المفاوضات حد إفشالها. كل هذا في صلة وتفاعل مباشر مع الهجمة الإمبريالية والرجعية الشاملة على شعوب الشرق الأوسط.
ثانيا : يعتبر العدوان الاخير على غزة الذي دام 51 يوما هو الثالث و الأكثر بربرية ودموية خلال الخمس سنوات الماضية، حيث ارتكبت إسرائيل فيه جرائم همجية تركت آثارا كارثية على مجمل نواحي الحياة الفلسطينية.
ثالثا: ان القضية الفلسطينية ومستقبلها تواجه تحديات وتعقيدات وصعوبات كبرى خاصة بعد العدوان الاسرائيلي الاخير.
و في الوقت الذي نؤكد فيه مجدداً موقف حزبنا الشيوعي المعلن من العدوان على غزة والتضامن مع الشعب الفلسطيني، نعتبر الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل جرائم حرب ضد الانسانية، لذا نطالب محاسبة المسؤولين عنها وفقاً للقانون الدولي وتقديمهم الى المحكمة الجنائية الدولية.
وبودنا هنا الإشارة الى ان لكل ما يجري في البلدان ومنها العراق امتدادات عربية و إقليمية. فمن الضروري الإحاطة بمجمل التطورات و الاحداث الهامة فيها، والنظر اليها في ترابطها، وتأثيرها المتبادل. لذا فان إثارة النعرات الطائفية و الاثنية و المماحكات السياسية ..الخ يضر بوحدة الشعوب لمناصرة الشعب الفلسطيني ويخدم أغراض اسرائيل والمشاريع الصهيونية. وبالعكس، فإن تعزيز تضامن الشعوب العربية والاقليمية، والقضاء على الارهاب ومراعاة مصالح الشعوب والابتعاد عن الطائفية ..الخ، يساعد على تمتين وحدة الشعب الفلسطيني و إفشال المشاريع الصهيونية والامبريالية...الخ.

أيها الأعزاء

ما زالت تعقيدات وتداعيات انتكاسة 10 حزيران الماضي، السياسية والعسكرية ، تتفاعل في العراق. فقد تمكن "داعش" الارهابي من السيطرة على محافظة الموصل، و التمدد في محافظات كركوك وصلاح الدين و ديالى و الانبار و أطراف بغداد وشمال محافظة بابل. و ارتكب الإرهابيون خلال ذلك وبعده جرائم وحشية مروعة ، دللت على همجية و ظلامية هذا التنظيم، وكونه يقع خارج التاريخ . ففي الأيام والأسابيع التي تلت هجوم داعش، شهد العالم كله، أبشع الجرائم ضد الإنسانية اُرتكبت ضد المدنيين العراقيين الأبرياء. لقد تم استهداف الأقليات الدينية والعرقية، خاصة المسيحيين و الايزيديين و التركمان والشبك، بهدف اقتلاع هذه المجتمعات الأصيلة التي عاشت وتعايشت بسلام في العراق لأكثر من ألفي سنة. واُرتكبت فظائع ضد الايزيديين، بما في ذلك اختطاف المئات من النساء والأطفال، وتمت محاصرة عشرات الآلاف في جبل سنجار. كما كان هناك القتل الجماعي كما حصل في قتل 1700 شاب أعزل من المجندين العسكريين في معسكر سبايكر في محافظة صلاح الدين.
انها حرب بشعة أخرى تهدف إلى إشعال الفتنة الطائفية. وقد أدى الهجوم الإرهابي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة حيث نزح أكثر من 1.6 مليون شخص هذا العام بسبب العنف في العراق، مع 850 ألف شخص فروا من منازلهم في شهر آب (أغسطس)، وفقا للأمم المتحدة.
هذه الجرائم الوحشية ومرتكبيها ينبغي ادانتها بقوة من قبل جميع القوى التقدمية في العالم، مع دعم فعال وتضامن كبير مع الشعب العراقي. فهو أحوج ما يكون لهذا الدعم والإسناد في هذا الظرف بالذات.
ولم يكن ما حصل في 10 حزيران من دون أسباب ومقدمات سياسية وعسكرية واجتماعية. كما انه لم يكن بعيدا عن النهج الخاطئ الذي كان معتمداً في ادارة البلد، وفي طريقة التعامل مع القوى السياسية ومع المحافظات، والأسس الخاطئة التي بُنيت عليها المؤسسة العسكرية والأمنية، وحالة التشنج والقطيعة بين الحكومة الاتحادية و اقليم كردستان.

خلفية التطورات الأخيرة

فالتطورات الخطيرة الأخيرة لا يمكن عزلها عما عاشه العراق خلال السنوات الماضية. كانت البلاد في أزمة عميقة ناجمة عن إرث سنوات طويلة من الاستبداد والديكتاتورية، وكذلك عن الآثار التي ترتبت على الاحتلال الأمريكي وتدخل القوى الإقليمية في الشؤون الداخلية العراقية. ان جذور الأزمة تكمن في نظام المحاصصة الطائفية الأثنية الذي اعتمد منذ عام 2003. حيث تكشفت أجندات القوى السياسية الحاكمة وصراعها من أجل الثروة والهيمنة والحفاظ على مناصبها في السلطة والامتيازات السياسية، في حين أن الشعب يعاني من البطالة والفساد وسوء الخدمات العامة والصحة والتعليم، بالإضافة إلى الوضع الأمني المتدهور.
ان الصراع الداخلي بين المجموعات الحاكمة، على السلطة والامتيازات، وفّرت أرضاً خصبة للجماعات الإسلامية المتطرفة لتوسيع أعمالها الإرهابية، وتنفيذ الجرائم البشعة، بهدف دفع العراق الى الفتنة الطائفية والحرب الأهلية. فقد قتل أكثر من 7000 شخص في عام 2013، من خلال السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية. وخلال الشهرين الماضيين، في تموز (يوليو) وآب (أغسطس) 2014، قُتل حوالي 3000 شخصاً من المدنيين الأبرياء، من ضمنهم العمال والعاطلين عن العمل في المناطق الفقيرة.
وكان الحزب الشيوعي العراقي قد حذّر مراراً وتكراراً من خطر انزلاق البلاد مجدداً الى الصراع الطائفي، ودعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ، لحماية الوحدة الوطنية للعراق.

العوامل الاجتماعية والاقتصادية

ومن المهم أيضا تسليط الضوء بإيجاز على الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية للنظام السياسي الحالي في العراق. فالاقتصاد ذو طابع ريعي خدمي يعتمد اعتماداً كبيراً على عائدات النفط. ونتيجة لذلك، نمت الطبقات الكومبرادورية والطفيلية التي راكمت ثروات هائلة من المال العام عن طريق الفساد، والعقود الكبيرة مع الدولة، بالتواطؤ مع المسؤولين ذوي النفوذ، فضلاً عن المضاربة وتهريب الأموال والأنشطة الطفيلية الأخرى.
فهناك ميل، اصبح واضحاً على نحو متزايد، من ان هناك صراعاً للمصالح بين القوى السياسية المؤثرة في السلطة والطبقات الطفيلية و الكومبرادورية المتنامية، بدعم من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها، يهدف لتحويل الاقتصاد العراقي إلى اقتصاد سوق منفلت وتفتيت ما تبقى من القطاع العام من خلال الخصخصة وغيرها من التدابير المستوحاة من الترسانة الإيديولوجية لليبرالية الجديدة. ان الحزب الشيوعي العراقي يقف بحزم ضد هذه السياسات، ويعمل على تطوير تحالفاته لمقاومة هذا التوجه الاقتصادي الليبرالي الجديد. ويرى ان العلاج الجذري لمشاكل البلد والأزمة المستعصية يكمن في التخلص من نظام المحاصصة الطائفية - الاثتية، والالتزام بقيم الديمقراطية الحقيقية، بأبعادها السياسية والاجتماعية، و ضمان احترام حقوق الإنسان، و المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وصيانة الاستقلال والسيادة الوطنية. هذا هو الطريق لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي توفر جميع المتطلبات اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية المستدامة، والاستفادة من ثروات البلاد الوفيرة لتحقيق الرخاء والتقدم الاجتماعي، وخير المواطنين ورفاهيتهم.
وفي سبيل المواجهة الناجحة لهجوم داعش وحلفائها، أكد الحزب الشيوعي العراقي على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة على أساس برنامج وطني شامل لرأب الصدع في النسيج الوطني، وحل الخلافات التي شلت الجهد الوطني، واعتماد مجموعة من التدابير السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها تعزيز القوات المسلحة وتمكينها من استعادة السيطرة في أقرب وقت ممكن على المدن و القصبات التي دمرها الإرهابيون.
وقد دعا الحزب أيضا لعقد مؤتمر وطني شامل يهدف الى مراجعة العملية السياسية ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمة الجارية، من خلال تخليصها من المحاصصة الطائفية والاثنية، هو الطريق الوحيد للمضي قدماً لبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.
لقد شارك الشيوعيون والمنظمات الحزبية في كل أنحاء العراق بنشاط في الجهد الوطني لمكافحة ودحر الارهابيين وتقديم الدعم الإنساني للنازحين. انهم يلعبون، جنباً إلى جنب مع القوى الديمقراطية الأخرى، دورا حيوياً في مكافحة الطائفية والشوفينية والتعصب القومي، والحفاظ على الوحدة الوطنية والتمسك بحقوق الإنسان والديمقراطية.
كما عارض الشيوعيون بشدة المخططات التي تهدف الى تقسيم العراق على أسس طائفية. والأمر متروك للشعب العراقي أن يقرر مصيره، ديمقراطياً، بإرادته الوطنية المستقلة، دون تدخل من أي قوى خارجية، ورفض محاولات فرض النماذج التي تخدم أجندات الإمبريالية والرأسمالية في الهيمنة والاستغلال الطبقي اينما وجدت الى ذلك سبيلاً.

التضامن العالمي

ان التضامن العالمي مع النضال العادل لشعبنا العراقي أمرٌ لا غنى عنه. وينبغي أن تستند جميع أشكال الدعم الدولي للعراق في معركته ضد الإرهاب على الشرعية الدولية وضمن إطار الأمم المتحدة والتطبيق السليم لقرارات مجلس الامن لدعم العراق، منها القرارين 2170 و 2178. وفي هذا الصدد، فإنه من الأهمية القصوى الاستمرار في تقديم المساعدة الإنسانية لمئات الآلاف من النازحين. كما ان هناك حاجة إلى تدابير فعالة لقطع التمويل من القوى الإقليمية والعربية الرجعية، وكذلك حظر كافة الموارد البشرية الخارجية والدعم المادي، المتدفقة إلى "داعش" وحلفائها.
ختاماً، أيها الأعزاء، ندعو جميع القوى المحبة للسلام والتقدمية في العالم الى تقديم كل اشكال الدعم الفعال للشعب العراقي وقواه الديمقراطية واعلان التضامن معها في صراعها ضد القوى الارهابية المتطرفة والرجعية والطائفية السياسية وضد التدخلات الاجنبية، ومن اجل العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.