من الحزب

على طريق الشعب ...البطاقة التموينية إلى أين؟

مؤشرات عدة تشير إلى فشل بيّن في تأمين مفردات البطاقة التموينية؛ سواء من حيث الكمية أم النوعية على السواء. كذلك في وصولها بأوقاتها المحددة. ليس هذا الفشل الوحيد فهو يضاف الى قائمة اخرى من الإخفاقات في مجالات تقديم الخدمات. رئيس الوزراء وفي حديث له قبل أيام اقرّ بفشل وزارة الكهرباء، مثلا، في القيام بواجبها تجاه تأمين حصول المواطنين على الكهرباء على وفق ما وعدت به الحكومة وخصوصا في هذا الصيف اللاهب.
المواطن العراقي له رحلة عذاب طويلة مع البطاقة التموينية منذ إيجادها كمخرج لإغاثة العراقيين وإدامة حياتهم ايام الحصار الذي فرض على شعبنا بجريرة جرائم نظام صدام حسين المقبور، فيما الشعب لا ناقة ولا جمل له بتصرفات وحماقات حكامه آنذاك.
كان الأمل ان تتحسن البطاقة ومفرداتها ونوعيتها بعد التغيير ورحيل الطاغية، ولكن للأسف جرى العكس تماما حيث تقلصت من حوالي 14 مادة إلى ان وصلت الى خمس، ناهيك عن تدني النوعية والشكوى الدائمة من وصولها متأخرة او عدم وصول موادها رغم محدوديتها، إضافة الى تضاعف قيمتها، فضلا عن الحديث الواسع بشأن شبهات الفساد فيها .
وأمام حالة العجز هذه تم اللجوء الى قرارات وردود فعل غير مدروسة؛ فصدعت رؤوسنا بالحديث عن "السلة الواحدة" المنقذة التي جرى التطبيل والتزمير لها الى أن تفاجئنا بإعلان وزير التجارة إلغاء الفكرة لعدم إمكانية التطبيق والكلفة المضافة لاستيراد السلة المصنعة في الخارج!ّ
عجيب غريب، ألم يدرس الموضوع في مجلس الوزراء؟ ويفترض في حالات كهذه أن تصاحب الفكرة جدوى فنية واقتصادية كحد أدنى مطلوب عند تقديم مثل هكذا مشاريع لتخليصها، على الاقل، من صفة الارتجال والاستعجال وضغط الواقع والاهم إمكانية التنفيذ الفعلي، وهذا ما تطالب به كل التعليمات الصادرة عن مؤسسات الدولة ذات العلاقة مثل وزارتي التخطيط والمالية، والرقابة المركزية ولجنة الشؤون الاقتصادية لدى مجلس الوزراء. ومن الطبيعي هنا أن ما تتم مطالبة مؤسسات الدولة الالتزام به وتطبيقه حري بأن يسري على مجلس الوزراء نفسه، فاتخاذ قرار وإلغا?ه بذريعة عدم إمكانية التطبيق يؤشران عدم الدقة في الدراسة أو هروباً في حينه الى أمام في مواجهة استحقاق شعبي مطلوب .
ولتلافي الحرج الكبير أمام المواطنين وفقدان المصداقية فقد تم التوجيه وحسب ما أعلنته الامانة العامة لمجلس الوزراء بأن تقوم وزارة التجارة بتعويض العراقيين نقدا عن المفردات المفقودة والتي لم تصل إلى مستحقيها. ومع كون ذلك استحقاقاً للمواطنين، وان المبالغ المخصصة للبطاقة قد رصدت في قانون الموازنة العامة لسنة 2013 ، يبقى السؤال البارز لماذا حصل هذا التقصير، ومن المسؤول عنه، وهل جرت محاسبة المقصرين؟
على أن هناك قلقا مشروعا في أن تكون هذه سابقة ومقدمة على طريق القضم التدريجي للبطاقة التموينية وتحويلها الى مبالغ نقدية لا تُغني ولا تسمن من جوع في أجواء الارتفاع المتواصل للأسعار والتضخم، ما يجعل تلك المبالغ لا تساوي شيئا يذكر، خصوصا ان هناك محاولات سابقة في هذا السياق لم يكتب لها النجاح جراء المعارضة الشعبية لها!
ويبقى القلق الأكبر عند المواطن في أن ذلك تم عن عمدٍ كي ينسى البطاقة التموينية وما توفره له من سد جزء من متطلبات حياته في ظل أوضاع ما زالت فيها نسب الفقر عند حدود 19% (وهي موضع خلاف) حسب بيانات وزارة التخطيط أخيرا. كذلك الارتفاع الكبير بمعدلات البطاقة؛ فبالتأكيد سيقود إلغاء البطاقة، وهذا ما يطالب به البعض الى ارتفاع هذه النسبة والمتضرر الأكبر منها هو الناس المعدمون، ومن ذوي الدخل المحدود في وقت أعفت فيه الدولة نفسها من تقديم الخدمات، وألقت بثقلها على المواطن الذي تستنزف قدرا كبيرا من دخله، إن كان له دخل! ك?لك في تآكل الدعم المقدم إلى هذه الشرائح رغم محدوديته.
وإذ نُدرك ان نظام البطاقة التموينية وآلياته بحاجة الى مراجعة وتقويم، مع ما يصاحبها من هدر وفساد وعدم وصول مفرداتها الى مستحقيها الفعليين، في الأوقات المناسبة، لكن لا بد لأي إجراء يتم الإقدام عليه يفترض أساسا أن يكون في سياق مجموعة من الإجراءات الفعلية، وليس الوعود، يتم اتخاذها وأولها مواصلة تقديم الدعم الحكومي لطائفة من الخدمات الأساسية وتحسينها، ومنها الكهرباء والماء والنقل والصحة والتعليم، وتوفير الضمان الاجتماعي الشامل، وتفعيل القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية بما يساعد على توفير فرص عمل وأجور منا?بة وتخفيض معدلات البطالة المتفاقمة، وان يكون كل ذلك في سياق رؤية إستراتيجية سليمة وعلمية لاستغلال كافة الموارد وتوظيفها نحو تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة.
هذا التحذير واجب ونراه مطلوبا كي لا تزيد مثل هذه الإجراءات غير المدروسة من هموم الناس ومعاناتهم على ما هم عليه الآن.