من الحزب

المحرر السياسي لطريق الشعب : الترشيق الحكومي خطوة أخرى ايجابية.. ولكن!

سبق أن أعلنا ترحيبنا وتأييدنا لحزمة الإصلاح الأولى وطالبنا بالإسراع في تنفيذها واستكمالها، وإذ نجدد هنا ترحيبنا أولا بما عكسه هذا الإجراء من رغبة وتصميم رئيس الوزراء على المضي قدما على طريق تنفيذ إجراءات الإصلاح ، ومن ثم بما استهدفته خطوة ترشيق الوزارت من تخفيف لتضخم وترهل الجهاز الإداري للدولة وتخفيض للنفقات العامة في الوقت الذي يمر فيه البلد بأزمة مالية واقتصادية حادة.
نرى ان هذه الخطوة رغم ايجابيتها، تبقى محدودة، ما لم يتأكد تلازمها مع خطوات وإجراءات أخرى تضمن إخراج المواقع العليا من نهج المحاصصة السياسية والطائفية واعتماد مبدأ المواطنة والكفاءة والنزاهة، ونضيف إليها الإخلاص لمبادئ البناء الديمقراطي الاتحادي للدولة كما نص على ذلك دستور العراق .
ونحن إذ نتفق مع الوجهة العامة لهذا الإجراء ومع غيره مما تضمنته الحزمة الأولى للإصلاح، نجد من الواجب تسجيل بعض الملاحظات الأساسية المتعلقة بتسلسل أولويات تنفيذ الإصلاحات والآليات، والأسلوب المعتمد في اتخاذ القرارات، ومدى تجاوبها وانسجامها مع المطالب الملحة التي عبرت عنها جماهير المتظاهرين وأكدت عليها المرجعية الموقرة.
فلا يغيب على أي مراقب للحراك الجماهيري الواسع الذي شهدته العاصمة بغداد وعمّ معظم محافظات وسط وجنوب العراق، ناهيك عن مئات ألوف المواطنات والمواطنين المشاركين فيه، بأن المطلب الأول والأكثر إلحاحاً بالنسبة لجماهير شعبنا هو محاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة ومحاسبة الفاسدين وإعادة فتح ملفات الفساد المحفوظة في الأدراج.
وكان المطلوب والمتوقع أن تتركز الإجراءات الأولى على هذا المحور وأن يصار إلى إتخاذ قرارات تنفيذية وإجراءات عملية لمحاسبة ومعاقبة من تتوفر بشأنهم ملفات وتهم مثبتة، لاسيما الفاسدين من كبار المسؤولين. وأن جماهير شعبنا تنتظر أن تتخذ إجراءات ملموسة وجادة بهذا الخصوص في القادم من الأيام.
والملاحظة الثانية ذات الأهمية الكبيرة تتعلق بالآلية والطريقة التي اتبعت في اتخاذ القرارات وتنفيذها. حيث يبدو إن قرارات حذف الوزارات ودمجها جاءت مفاجئة للجميع، بما في ذلك للوزراء المعنيين. ونحن ندرك تماما أن رئيس الوزراء يستند إلى تفويض مجلس النواب، والمطالبات الشعبية، ومساندة المرجعية الموقرة في تبرير شرعية اتخاذ قراراته دون تشاور مسبق، وذلك تجنبا للتعويق والتسويف. وهو أمر نتفهمه ولكنه لا يمنع في نظرنا من اللقاء بالوزراء المعنيين بالإجراءات قبل إعلانها، وإحاطتهم علما وتوضيح ما سيترتب على هذه القرارات من نتائج بالنسبة لهم ولطواقمهم القيادية ولمنتسبي وزاراتهم، وهم بالآلاف.
ولا يخفى على أحد أن لمثل هذه الإجراءات أبعادا سياسية واجتماعية عامة تقتضي التواصل والتشاور، ومن غير السليم إهمالها، لأنها قد تخلق ردود فعل تضعف من زخم التأييد لعملية الإصلاح. فالإدارة السليمة لمعركة الإصلاح ومكافحة الفساد لا يمكن الانتصار فيها من دون توسيع قاعدة المؤيدين والمشاركين، وهذه تتطلب بالضرورة تواصلا وتشاورا متعدد القنوات والأساليب.
وما يثير الشكوك والتوجس إزاء التنفيذ الفعلي للإصلاحات، كونها تعتمد حتى هذه اللحظة على أجهزة الدولة، المسؤولة أصلا عن حالة سوء الإدارة والفساد، ما يثير التساؤل المشروع فيما إذا كان ممكنا لنفس الأجهزة وأنماط التفكير والعمل المتحكمة بها، أن تقوم بالتغيير المطلوب؟
ولم يستشف من الآليات المقترحة ما يعطي دورا للرقابة الشعبية أو لمرشحين يمتلكون المواصفات الشخصية والمؤهلات العلمية والمهنية المطلوب توفرها في من يتم اختيارهم من جمهور المتظاهرين. فكل اللجان المزمع تشكيلها يتم ترشيح أعضائها من داخل مؤسسات الدولة. وإن كان ذلك يصح في الظروف الطبيعية والهادئة، فإن العراق يشهد إعصارا جماهيريا يطالب بتخليص اجهزة الدولة من الفاسدين والفاشلين وعديمي الكفاءة، وهذا ما لم يحدث حتى الآن. وبالتالي لا بد من مشاركة شعبية بطريقة مناسبة في الهيئات التي تتولى مراقبة تنفيذ الإصلاح.
وأخيرا، ثمة تساؤلات تدور في الأذهان بشأن الأسس التي اعتمدت في دمج بعض الوزارات. فعلى سبيل المثال، يعاني العراق من أخطار وتحديات بيئية جسيمة، فهل من الصحيح دمج وزارة البيئة بوزارة الصحة التي يفترض إلغاؤها أو تقليصها تطبيقا لقانون نقل الصلاحيات إلى المحافظات؟ وهل حقا سيتطور البحث العلمي ودوره في المساهمة بإيجاد الحلول للمشاكل التي تعاني منها البلاد في القطاعات والمجالات المختلفة بعد دمج وزارة العلوم والتكنولوجيا بوزارة التعليم العالي، في الوقت الذي تعاني فيه الأخيرة من التضخم والمشاكل الإدارية، مع وجود من يطالب بمزيد من الاستقلالية للجامعات وإلغاء وزارة التعليم العالي؟ فضلا عن أن مراكز البحث العلمي بحاجة إلى مزيد من الاستقلالية والمرونة والترشيق والدعم، في حين سيجري تعزيز المركزية وزيادة البيروقراطية ما سيؤدي إلى التراجع عما موجود حاليا رغم ملاحظاتنا عليه.
لقد كان من الأنسب ان تحاط عملية الترشيق بشفافية أكبر وبمشاركة مختصين، وأن تعطى لهم مهلة زمنية لتقديم مقترحاتهم بالاستناد إلى دراسة متكاملة لآثار حذف ودمج أية وزارة.
وفي ظل الأوضاع القائمة، لن ينجو مثل هذا الإجراء من انتقادات تتعلق بالانتقائية في الاختيار والتمييز، لاسيما وأن الإلغاء والدمج طال وزارات ووزراء لم تسجل على معظمهم شوائب أو شبهات فساد.