من الحزب

الرفيق صبحي الجميلي : القوى المتنفذة تتحمل المسؤولية عن حالة الإستعصاء السياسي

لندن - عبد جعفر
كانت محاضرة الرفيق الدكتور صبحي الجميلي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، حول تطورات الوضع السياسي في العراق، كشفاً موضوعياً عن الخلل في أداء وإدارة الدولة ومنهجها، نتيجة تكريس المحاصصة الطائفية- الاثنية، وإنتشار الفساد الذي أصبح مؤسسة ومنظومة متشابكة والذي شكل وجهاً آخر للإرهاب في إعاقة العملية السياسية.
المحاضرة كانت بدعوة من منظمة الحزب الشيوعي العراقي في بريطانيا والتي قدمت يوم 12-6-2106 في قاعة كنيسة ريفر كورت في همرسمث غرب لندن، بحضور جمهرة واسعة من العراقيين ضمت أطيافاً سياسية مختلفة.
وأوضح الرفيق عبد الرحمن مفتن، سكرتير منظمة الحزب في بريطانيا، في تقديمه، أن استضافة الرفيق الجميلي هي للوقوف على المنحى الخطير الذي تمر به العملية السياسية وكيفية العمل على إصلاحها، جراء سعي القوى المتنفذة والمهيمنة لتكريس نظام المحاصصة وما نتج عنه من فساد وبطالة وفقر وتدهور الخدمات الإساسية للمواطنين، بالاضافة الى إزدياد جرائم الإرهاب وإنعدام الأمن والتدخل الخارجي .
وفي تناوله صورة اوضاع البلاد، أكد الجميلي أنها تزداد سوءاً، فالأزمة العامة التي تعيشها أنعكست على كافة المجالات. فنحن لا نواجه مستحقات حربنا الوطنية ضد الإرهاب وداعش، بل أيضا صراعا على شكل الدولة ومستقبلها السياسي والاقتصادي والإجتماعي، ويتخذ هذا الصراع أشكالاً مختلفة، بسبب نهج القوى المتنفذة والمهيمنة للحصول على المغانم، والصراع من أجل إعادة تقسيمها عبر تسويات وصفقات تجري خلف الكواليس.
وأوضح الجميلي أن سوء الأوضاع العامة للبلاد ليست بمعزل عن الحرب والإرهاب والإحتلال ومشاريعه، وكذلك ليس بمعزل عن التركة الثقيلة للنظام السابق والتدخلات الخارجية.
وأكد أن نهج المحاصصة الطائفية إنعكس على مؤسسات الدولة ومنها العسكرية والأمنية، وجرى تغليب الهويات الفرعية على الهوية الوطنية، وتوظيف الطائفية بشكل واسع في تضليل الجماهير، فيما جرى توظيف الدين سياسياً بما يخدم مصالح المتنفذين. وعلى صعيد آخر، تعمق الطابع الريعي للإقتصاد العراقي، وانخفضت بشكل واضح مساهمة القطاعات الإنتاجية، وجرى الإعتماد على سياسة السوق المنفلتة، ولم يجر العمل بتحقيق التنمية المستدامة. وأصبح الفساد ليس ظاهرة فقط بل مؤسسة ومنظومة متشابكة في العراق.
واشار الى أن البلد يمر في حالة إستعصاء سياسي ناجم عن صراع الكتل المهيمنة لاقتسام الكعكة وإعادة اقتسامها ولإدامة نفوذها.
وهذه الكتل جميعها تعاني من التشظي والإنشطار. كما يشهد الوضع حالة من التشنج في العلاقة بين الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم، وكذلك مع الحكومات المحلية ومجالس المحافظات.
وشدد أن الأزمة الاقتصادية والمالية خلقت توتراً إجتماعياً تمثل في تدني المستوى المعاشي لفئات واسعة من الكادحين وحتى شرائح من الطبقة الوسطى. كما ارتفعت معدلات البطالة وتجاوزت نسبة الفقر 23% حسب الاحصاءات الرسمية.
إن هذا الوضع مع تدهور الخدمات الاساسية والفساد قد عمّق أزمة الحكم وخلق أزمة ثقة بين الحكومة والمواطن.
وأشار الجميلي الى هنالك مخاطر جدية حول بقاء العراق كياناً موحداً. وبيّن ان مسار الاحداث أخذ بدوره يثير أسئلة مشروعة حول مستقبل العملية السياسية والآمال المعولة عليها في إقامة نظام ديمقراطي حقيقي في عراق فيدرالي موحد يقطع الطريق على محاولات خلق نظام شمولي استبدادي تحت مسميات متنوعة.
وأكد أنه لا يمكن التفكير بإصلاح العملية السياسية من دون التخلص من النهج المدمر الخالق للإزمات، اي نهج المحاصصة. وقال نحن نؤكد على إصلاح العملية السياسية مادام الصراع مع إعداء هذه العملية لم يُحسم بعد. والصراع يجب أن يُحسم لصالح الإستقلال الوطني الناجز والتخلص من داعش والارهاب والسير على طريق اقامة الدولة المدنية الديمقراطية.
وأوضح أن كل القوى المتنفذة تتحمل مسؤولية ما آل اليه الوضع ولكن بدرجات مختلفة، في نهجهم الإقصائي والتهميش المتعمد للكفاءات المخلصة والإعتماد على الدائرة الضيقة المحيطة بهم. وقول بعضهم "نحن فشلنا" لا يكفي، ما داموا هم يتحملون المسؤولية بإعتبارهم إصحاب القرار والسلطة. فرئيس الحكومة لم يستخدم صلاحياته الدستورية لحسم الكثير من الأمور على طريق الاصلاح، ومجلس النواب قد عطل العديد من القرارات المهمة، مثل قوانين الموارد المالية والنفط والمجلس الاتحادي، وأنه في حال إقرارها يمكن أن تتوفر الامكانية لحل العديد من الإشكالات والقضايا المعلقة الراهنة.
وأشار الى أنه جرى التفريط بمبدأ الفصل بين السلطات، إذ غدت اجراءات السلطة القضائية موضع تساؤل بما يشكك في حياديتها. وجرى اهمال ملفات خطيرة مثل ملف الموصل وسبايكر والرمادي وغيرها.
وعلى صعيد آخر، تتشكل العديد من المليشيات المسلحة خارج إرادة الدولة والقانون وبدون رادع رغم رفع شعار حصر السلاح بيد الدولة.
وقال الجميلي انه قد نشأ تشابك مصالح مريب بين مؤسسة الفساد والفاسدين مع المتنفذين وعدد من التجار الكبار والبرجوازية الطفيلية والعديد من أصحاب المصارف وتجار العملة وبعض اصحاب الفضائيات. ويجري تهريب المليارات من العملة، في الوقت الذي تقترب الخدمات الإساسية من الصفر. وهو ما خلق تمايزاً في المجتمع آخذاً بالإتساع، ويجري التضييق على الحريات العامة تحت مسميات عديدة. كما ارتفعت، مؤخراً، الأصوات الداعية لخصخصة التعليم وإلغاء مجانيته خلافاً لما أقره الدستور. كما أن الهيئات المستقلة قد خضعت للمحاصصة وفقدت بذلك إستقلاليتها، مثل المفوضية العليا للانتخابات.
وأشار الى أن تكريس مفهوم المحاصصة يقود مجتمعنا وبلادنا الى مزيد من التشظي وإضعاف الوحدة الوطنية والنسيج الإجتماعي، وإحتمال تقسيم الدولة أوبقاءها كياناً موحداً شكلياً يديره أمراء الطوائف.
ومضى يقول أن الإصلاح يمكن ان يمر بدفعات أو مراحل ضمن حزمة متكاملة من خطواتها الأولى تشكيل حكومة كفاءات وطنية تمتلك برنامجاً إصلاحياً متكاملاً وله سقف زمني قابل للتنفيذ وله نتائج ملموسة.
وأشار الى أنه على الرغم من الصورة القاتمة فهنالك إنتصارات تحققت على داعش وعلى القوى الإرهابية، مؤكداً إننا سنتصر حتماً على داعش ولكن القضاء على الإرهاب يتطلب منظومة سياسية وإقتصادية وإجتماعية وفكرية وإعلامية.
وأشار الى أهمية توجيه رسالة إطمئنان الى المناطق المحررة وإرجاع النازحين والمهجرين وإعادة اعمار المناطق المحررة.
وحول الحراك الجماهيري، أشار الى أنه واعد ومتنوع وحيوي رغم كل المحاولات لتيئيس الناس وإطفاء جذوة الإعتصامات والمظاهرات والنشاطات والفعاليات الجماهيرية. وقد جرت محاولات عدة لتحجيمه وحتى الخلاص منه بأشكال ووسائل مختلفة ومنها إستخدام الرصاص الحي. ويرجع سبب ذلك الى أن الحراك الذي شمل عشر محافظات، قد عرّى وكشف أوراق الفاسدين وحقيقة مواقف المتنفذين ومدى جديتهم في السير على طريق الاصلاح والتغيير المطلوبين. وقال ان الحراك توسع وانتشر وضم دماءً جديدة من الشباب.
وأكد بأن الحزب يعمل من أجل الإصلاح والتغيير وخلق كتلة وطنية واسعة من كل القوى الديمقراطية والمدنية وكل من يسعى الى هدم جدار المحاصصة المقيت وبناء دولة القانون والمؤسسات والمواطنة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقة، مؤكداً ان صفوف الحراك الشعبي تتسع لمن يشاركه اهدافه ونهجه في الاصلاح ومكافحة الفساد وتوفير الخدمات والتمسك بسلمية التحرك.
وفي توضيحه حول أسئلة الجمهور، أوضح الرفيق الجميلي أن كردستان تعيش أزمة هي الأخرى، وأن الكثير مما جرى الحديث عنه ينطبق على الوضع في الاقليم الذي يمر هو الآخر بأزمة، فالبرلمان معطل، والحكومة غير مكتملة. وقال ان على الإحزاب الكردستانية النظر الى الماضي والإستفادة من دروسه، وخصوصاً مضار الإنقسام والاقتتال وتغليب المصالح الضيقة على حساب مصالح شعب الاقليم.
واضاف نحن مازلنا ننظر الى الفيدرالية بإعتبارها الصيغة الأنسب، في ظل ظروف العراق الملموسة، كحل ديمقراطي للمسألة الكردية. وان صيغة الفيدرالية لم تُختبر بعد، ولم تأخذ كامل أبعادها. ويبقى حق تقرير المصير بما فيه تشكيل الدولة المستقلة حقاً مشروعاً عندما تتوفر ظروفه ومستلزماته.
وحول قانون انتخابات مجلس النواب، أكد أنه قانون غير عادل ونطالب بتعديل العديد من مواده، ونحن نريد أن يكون العراق دائرة إنتخابية واحدة مع اعتماد التمثيل النسبي، ونضغط بهذا الإتجاه. وأشار الى أنه من المبكر الحديث عن مقاطعة الإنتخابات، وأن لكل حادث حديث، في جواب على أحد الاسئلة.
وحول مكافحة الفساد، أكد على ضرورة تفعيل دور القضاء والمدعي العام العراقي وهيئات الرقابة تجاه الخروقات والفساد.
وحول الإصلاح الحقيقي أشار الى انه هو الذي يقود الى التغيير، وان للحراك والتظاهرات والضغط الشعبي دور هام في تحقيقه. وأكد ان الاعتصام المدني السلمي وارد عند توفر مستلزماته ولا نقيّد حراكنا بنمط معين شرط ان يكون سلمياً. فالعنف هو ما يريده أعداء الإصلاح والتغيير.
وشدد أن ظروف بلادنا معقدة، وتحتاج الى جهود كبيرة، ومطلوب مراجعة من الجميع، والسؤال الى اين يتجه العراق، ولمصلحة من تُدفع الاوضاع نحو الاسوأ؟