من الحزب

اجتماع باريس.. ما له وما عليه

حربنا ضد داعش، خصوصا منذ انطلاق عملية تحرير الموصل وبقية مدن محافظة نينوى، لم تثر اهتمام العراقيين وحدهم، بل والعالم باسره، نظرا الى تميزها واهميتها، وما ينتظر ان تسفرعنه من نتائج ذات ابعاد محلية واقليمية وعالمية. وضمن هذا التقدير والتصور جاء التئام اجتماع باريس الخميس الماضي بشقيه السياسي والعسكري، وما شهد من حضور واسع. ومما زاد من اهميته انه انعقد فيما رحى المعارك تدور، الامر الذي جسد الاهتمام الدولي الكبير بمجريات الحرب ومسار العمليات العسكرية ونتائجها المتوقعة.
ان عقد هذا الاجتماع بشقيه يعكس اهتماما متزايدا بقضايا الارهاب، الذي صارت جرائمه وتداعياته تسبب الكثير من الاذى والدمار، وتثير مخاوف الجميع، بل وغدت تشكل خطرا داهما على كل دول العالم وشعوبه. فلم يعد بوسع احد البقاء في منأى من جرائم داعش والارهاب عموما.
وقد فرض هذا الادراك على الجميع التعاون والتنسيق، والتوجه نحو تفعيل قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة، ومنها قرارات مجلس الامن، والعمل على تحويل بنودها الى واقع فعلي لدعم العراق، ولاسناد حكومته باعتبارها الجهة المعنية الاولى والرئيسة بادارة المعركة ضد داعش، والمسؤولة قانونا ومنطقا واخلاقا عن توجيه دفة المواجهة، المتواصلة اليوم على الاراضي العراقية. وهما الدعم والاسناد اللذان يتجسدان عسكريا في السلاح والعتاد والمعدات الحديثة، وفي التدريب والاستشارة وتوفير الغطاء الجوي اضافة الى الدعم اللوجستي والمعلومات المخابراتية، واللذان يؤهلانه ويمكنانه من قطع قنوات تدفق الارهابيين من الخارج، ووقف دعمهم بالمال والسلاح، ومنع توفير الملجأ والتدريب لهم، والحيلولة دون استمرارهم في تهريب النفط والاثار.
فاذا ما سارت الامور على هذا المنوال مع احترام السيادة والاستقلال العراقيين، فان الحصيلة ستكون خيرا ليس للعراق ومحيطه فقط، بل وستشمل فوائدها دول العالم اجمع، وستؤسس لتقاليد وعلاقات من شانها حماية امن العالم واستقراره وتعزيز السلم فيه، ومحاصرة الارهاب وتجفيف منابعه والخلاص نهائيا منه.
وبناء على ذلك فان انعقاد مثل هذه الاجتماعات والمؤتمرات سيكون له مردود ايجابي فعال في المعركة العالمية ضد الارهاب، وسيشكل عونا جادا وفعالا لشعبنا الذي اكتوى ابناؤه بويلات داعش، وشرور من ساندوه.
لكن ما اثار اهتمام المجتمعين في باريس بدا حتى اكبر من ذلك. فالامر لا يقتصر على ملاحقة داعش والحاق الهزيمة به عسكريا في الظرف الراهن، وانما يتعداه الى البحث في ما بعد داعش. واذا كان من حق دول الاقليم والعالم ان تقلق وتتحسب للنتائج حمايةً لامنها الوطني، فان اعادة ترتيب الداخل العراقي في اتجاه التصدي المسؤول والجاد لداعش، وصولا الى اجتثاث اسباب ظهوره وتمكنه من اقتراف ما اقترف من موبقات وجرائم، يبقى شأنا خاصا بالعراقيين وبحقهم وواجبهم في معالجة امورهم الداخلية وتقرير مصائرهم بانفسهم، خاصة وان اهل مكة ادرى بشعابها.
ان تأشير ذلك وتأكيده لا يعني باي حال التعالي على دعم الاخرين وعونهم النزيه لمداواة جراحنا واعادة اعمار بلدنا، وازالة اثار الخراب والدمار اللذين عانت منهما مدننا وبناها التحتية. ولا شك ان مثل هذا الدعم والعون ان توفرا في الوقت والمكان المناسبين، سيستحقان التثمين والتقدير.
نعم، ان العراقيين هم الاجدر بالتصدي لشؤونهم الادارية والسياسية الداخلية، وان الموقف النبيل المستند الى القانون الدولي يتمثل في حماية حقوقهم وفقا لمصالحهم المشروعة، وتمكينهم من التصرف في الاتجاه الصحيح لترسيخ الديمقراطية والحياة الدستورية المؤسساتية، ومعالجة مشاكلهم على ايديهم بما ينسجم مع مصالح البلد العليا، وتأمين السلم والمصالحة المجتمعية المتينة والفاعلة، واطلاق عمليات الاعمار والتنمية المستدامة ، ووضع البلد على سكة التقدم الاجتماعي والحضاري.
انها مسألة تحد للعراقيين جميعا، ولوحدتهم وتماسكهم. فأي تدخل خارجي في شوؤنهم، من أي طرف اقليمي او دولي كان، سيكون موقفا غير موفق، وغير مقبول، سيما وان العراقيين عانوا الكثير من اثار وتركات مثل هذه التدخلات، ودفعوا ثمنها غاليا.