من الحزب

كلمة الرفيق حميد مجيد موسى في حفل افتتاح المؤتمرالعاشر

لا للمحاصصة والارهاب والفساد.. نعم للتغير
الضيوف الكرام
الرفيقات والرفاق الاعزاء
اخواني وأخواتي
أحييكم من القلب واشكر لكم حضوركم معنا في حفل افتتاح مؤتمر الحزب الوطني العاشر. أشكر مشاعركم وتمنياتكم للمؤتمر بالنجاح في إنجاز مهماته الجليلة والمشّرفة، وهو يستهدف مواصلة المسير لتحقيق آمال وطموحات شعبنا، في التقدم والعدالة الاجتماعية والأمن والاستقرار، في عراق معافى مدني ديمقراطي اتحادي مستقل.
وشكراً لكل من ساهم معنا في الحوار العلني حول وثائق المؤتمر الأساسية خلال سنة من النقاش العلني الديمقراطي الواسع، ولتدقيقها وإغنائها. وكل الاحترام للآراء والملاحظات الجادة التي تعد بالآلاف، والتي ساعد قسم منها في تصويب وتعديل مشاريع الوثائق، لتكون اكثر استجابة وعكساً لحركة الواقع وتطور الحقائق، ولتعبر بشكل أدق عن حاجات ومطالب شغيلة بلدنا وطموحات ابناء شعبنا.
مؤتمرنا الوطني العاشر هو استمرار وتطوير لجهد ونضال الشيوعيين، على امتداد عمر حزبهم المديد، البالغ حوالي 83 عاماً. ويحق لنا أن نفخر باضافة ما يعزز من ثقة جماهير شعبنا وشغيلة اليد والفكر في البلاد، بحزب الشيوعيين، بفكره، بنهجه السياسي، وبسلامة توجهاته وواقعيتها. ومن الواجب الا ننسى حقيقة أننا نواصل مسيرة من استرخصوا الحياة فداءً للشعب والوطن، رافعين لواء الوطن الحر والشعب السعيد، من قادة الحزب وكوادره وأعضائه ومريديه. اولئك الذين وهبوا أرواحهم وعصارة جهودهم وزهرة شبابهم، وكل ما يملكون، لقضية الوطن والطبقة العاملة وعموم الشغيلة الكادحة. وهبوها فوق اعواد المشانق، وفي دهاليز التعذيب الوحشي، وفي ظروف الاختفاء والفصل والعزل السياسي والملاحقات، وفي ظل شتى اشكال القمع والتضييق المادي والمعنوي المعروفة، غيرُ هيّابين وهم يذودون عن مبادئهم، وعن حزبهم وقيمه الثورية في سوح النضال، في التظاهرات والاضرابات والاعتصامات، وفي حركة الانصار والكفاح المسلح، وفي النشاطات السلمية والثقافية والمطلبية، وفي دائرة السعي بكل اشكال الممارسة النضالية، الهادفة الى تنظيم أوسع الجماهير، لتمارس حقها الشرعي في انتزاع حقوقها المشروعة والتعبير عن إرادتها الحرة.
علينا ان نستمد العبر من هذا التاريخ الناصع، بحلوه ومره، لمواجهة التحديات الكبيرة التي تنهض امام مجتمعنا، وتؤرق شعبنا، وتهدد كيان وطننا بحاضره ومستقبله. وعلينا أن نجترح المآثر بهمةٍ قصوى وجهد لا يكل، لوضع الوطن والشعب على طريق التطور والتقدم، على طريق الديمقراطية الحقيقية والتمتع الفعلي بثرواته الغزيرة، وبحريته، وباستقلاله وسيادته الناجزين.
الأخوات والاخوة الاعزاء
نعقد مؤتمرنا وشعبُنا وقواتُنا المسلحة تخوض معاركَ قاسية، مظفرة، ضد الوحش الداعشي، والابطال في جيشنا وشرطتنا والبيشمركة والمتوطوعين في الحشد الشعبي، ورجال المقاومة من أبناء المناطق المبتلية بالآرهاب والارهابيين، يحققون انجازات حقيقية على كل الجبهات، ويتقنون فنون القتال، ويستخلصون الدروس، ويحسّنون من أدائهم، ويطورون ادارتهم وانضابطهم وطرق تعاملهم، مع المدنيين والأبرياء النازحين، مما يبشر بخلاص قريب من كابوس الارهاب، وبنصر حاسم في المعركة ضد داعش وحلفائها.
فالف تحية لجهودهم وتضحياتهم من أجل عزة الشعب وحرية الوطن، والرحمة والمجد للشهداء، والشفاء العاجل للجرحى.
كلنا امل وعزم على تحويل انتصارهم العسكري – الامني الى إنعطافة حقيقية في حياة المجتمع والوطن، وفي اعادة بناء الدولة العراقية على أسس جديدة عصرية، تضمن الاستفادة القصوى من دروس نجاح داعش، وأسباب استفحال الارهاب، وتعمق الأزمة البنيوية الشاملة التي تلف الوطن، بكل ميادينه وجوانبه. الى جانب تأشير عوامل الفشل والعجز، اللذين تميزت بهما ادارة الحكم وقواها المتنفذة لسنوات طويلة خلت، ملقية بالبلد في هذه الدوامة الشريرة من الفوضى السياسية والفساد، وإستباحة الوطن وسيادته من طرف الدول الاقليمية والاجنبية، وغياب القانون وتهري المؤسسات، وتغول البيروقراطية ومن يقف وراءها، ويتحمل مسؤولية عدم تداركها، واستفحالها، والتقصير في معالجتها.
وإذا كان الكثير من القوى يهتم ويتحسب لما بعد داعش، وبعضها يسعى الى التمسك بنفس المنهج البائس، منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية، وإعادة انتاج نفس الكوارث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية برموزها الفاشلة، فان على قوى شعبنا الوطنية الديمقراطية العمل بجهد موحد، ووفق ستراتيجية علمية، على مواجهة التحدي، حرصاً على وحدة الوطن وحقوق الانسان العراقي، وانقاذاً للعراق مما قد يواجه من احتمالات خطيرة، تلحق أشد الأضرار بحاضره وبمستقبله الذي نريده حراً ديمقراطيا مدنياً، يرفل بالسلام والعدالة والاعمار، عراق بلا حرمان، وفقر، ومرض، وجهل، بلا بطالة وشظف عيش، وغياب للامن والاستقرار.
اعزائي
ونحن نقف أمام مستحقات المؤتمر الوطني العاشر، ونلقي النظر بشعور عالي من المسؤولية الوطنية، على ما مر بنا من احداث وتطورات السنوات الأربع ونيّف الماضية، وتقييمها بروح موضوعية، واستعراض ما توصل اليه مؤتمرنا الوطني التاسع المنعقد في أيار 2012، نرى ان ما وقع لم يكن مجرد عمليات عفوية وأحداث طارئة. بل انه جاء تعبيراعن ارادات قاصرة ومصالح انانية ضيقة، وتجسيدا لنمط تفكير متخلف، وسلوك لا ديمقراطي يستهين بحقوق الشعب، ولبيئة سياسية فاسدة، سممت العلاقات بين ابناء الشعب الواحد، والعلاقات بين القوى السياسية، والصلات بين المركز والاقليم والمحافظات، كما سهلت التدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية، وعرقلت عن قصد وسابق عمد كل مشروع ٍوتوجهٍ بناء، لاصلاح مسار العملية السياسية، وانقاذها من ركودها وتعفن الكثير من جوانبها. اضافة الى شلـها قدرة البلد على التغيير وعلى إزالة تركة العهد الدكتاتوري المباد الثقيلة، وآثار فترة الاحتلال ومنتجاتها البائسة.
وكنا قد أشّرنا اساس البلاء المتجسد في نظام المحاصصة الطائفية، مُشوه الديمقراطية ومخرب مؤسساتها وحامي الفساد والمفسدين، ومحفز الترهل والركود والبيروقراطية، ومشجع التجاوز على حقوق الانسان وحرية المواطنين، والمؤجج للصراعات العبثية والنزاعات البدائية.
ولقد حددنا سمات هذا النظام وآثاره الكارثية، في العجز عن تبني ستراتيجية اقتصادية وطنية علمية، وفي اطلاق العنان لفذلكات اقتصاد السوق، والسوق الحرة، والتجارة الحرة والخصخصة وعدم تدخل الدولة. وقد ادى ذلك كله، في ظروف الأزمة المالية – الاقتصادية العالمية القائمة، وانخفاض أسعار النفط، الى استنزاف ثروات البلد، وتدهور قدراته الانتاجية الوطنية بنحو مريع، وتزايد اعتماده على المستوردات الاجنبية، وتبذير احتياطيّه من العملات النادرة، ومفاقمة عجز ميزانيته السنوية، التي تسد بالكاد احتياجاته التشغيلية. كما ادى الى تصاعد نسب التضخم والغلاء، وتدهور قيمة العملة، وتعزز مواقع الفئات البيروقراطية والطفيلية والكومبرادورية في المفاصل الرئيسة للاقتصاد الوطني، والى نهب أموال البلد، وتشجيع الفساد ورعايته وحمايته، عبر تشكيل المافيات او تحالف مجموعات الاعمال مع العديد من المتنفذين صانعي القرار السياسي والاقتصادي. وارتباطا بذلك اتسعت الفجوة بين قلة من ذوي الثراء الفاحش، الذين يغتنون على حساب اموال الشعب ويحتكرون القرار السياسي والاقتصادي، واكثرية كبيرة تعاني الفقر والحرمان. ويتجلى النهج الاخرق اللامسؤول، المتسبب في هذا الواقع المحزن، في ظواهر اجتماعية مؤذية، مثل تزايد اعداد العاطلين ونسبة من يعيشون تحت مستوى الفقر، وتدهور الخدمات التعليمية والصحية والبلدية، وانتشار تجارة التهريب وغسيل الاموال، وتجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، والرذيلة، مما يهدد سلامة البنية الاجتماعية بأشد الاضرار، ويعرضها للمزيد من التفكك.
ونتيجة لهزال البناء السياسي، وضعف القدرات الاقتصادية، ولملامح تفكك النسيج الاجتماعي، والتضييق على الحريات العامة والتنوير الثقافي، الذي عززه ورسخه نظام المحاصصة الاثنية، واستمرار عدد غير قليل من قادة القوى المتنفذة في الاستقواء بالقوى الاقليمية والدولية، استبيح العراق، وشرعت أبوابه امام أشكال متنوعة من التدخل في شؤونه الداخلية، وانتهاك سيادته، والاستهانة بأمنه القومي، والتلاعب بثرواته وبحقوقه.
وبكلمة، عجزت القوى المتنفذة المهيمنة على صنع القرار السياسي في البلد، بعد 13 سنة على التغيير وسقوط الديكتاتورية، عن الايفاء بما وعدت به الشعب، من بناء بديل ديمقراطي يضمن الحرية والتحرر، ويحفز التقدم، ويقيم الديمقراطية ومؤسساتها، ويعيد بناء الاقتصاد، ويؤمن العدالة الاجتماعية، وينعش الحياة الاجتماعية – الثقافية، ويستكمل السيادة والاستقلال.
وأثبتت هذه القوى وتثبت باستمرار، عدم قدرتها على حل أزمات البلد، ووضع حد لمآسي الشعب، عبر تشبثها بنهج المحاصصة الطائفية، نهج تقاسم المغانم والمنافع على حساب الشعب وقوته. ولم يعد الشعب باغلبيته الساحقة وهو يعاني من سلوكها، لم يعد يثق بها وبوعودها الجوفاء، وبالتالي فهي غير قادرة على الاستمرار في الحكم وفي السلطة، متمسكة بنهجها القديم البائس.
وان هذا كله يفرض موضوعياً ضرورة التغيير، والتخلي عن القديم لمصلحة نهج جديد، يؤمّن اصلاحا حقيقيا، يعيد بناء الدولة ومؤسساتها على وفق مبدأ المواطنة، ويعتمد نهجاً ديمقراطياً حقيقياً في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويفعل قيم العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان، ويحارب الفساد والمفسدين والارهاب والارهابيين، ويحمي نزاهة واستقلال القضاء، ويضمن التعامل السليم مع ارادة الشعب وممثليه الحقيقيين.
ايها الاعزاء
قد تلعب التجربة المريرة، ومظاهر الفشل البيّنة، خصوصا ما دفعه الشعب والبلد وهما يواجهان الفساد والارهاب، وبالذات ما قامت به داعش ومسانديها من جرائم ذهبت بالكثير من موارد البلد المادية والاهم بارواح الآلاف من شباب بلدنا الابطال الذين استشهد في حرب انقاذ الوطن من براثن الوحش الكاسر، اقول قد يلعب هذا دوراً في ايقاظ ضمائر بعض الشرفاء المساهمين في دست الحكم، عن وعي او خشية المجهول وغرق سفينة السلطة المفتوحة على الكثير من الاحتمالات والمشاريع المشبوهة، ولكن علينا ونحن نتفاعل مع كل هذه المتغيرات ونتابع كل هذه الاحداث الداخلية والدولية وتعقيداتها ان نؤكد ان حقوق الشعوب لا تمنح منّة من حاكم، وانما تنتزع بالنضال المثابر الجاد طويل النفس، بالتعبئة الجماهيرية الواسعة، بتنظيم القوى الداعية للاصلاح والتغيير، وبتحشيدها في تيار جارف، يفرض على من بيدهم القرار التعامل باحترام ومسؤولية مع مطالب الشعب، والاستجابة لارادته ورغبته وتلبية مطالبه المشروعة.
لم تبق في المجال فرصة للمناورة، بمعسول الكلام والوعود الفارغة، فالمطلوب ممارسة ملموسة بنتائج محسوسة، يتلمسها المواطن في رزقه، في امنه، في الخدمات التي تمس حاجته اليها، في كل جانب من جوانب حياته.
فاذا اردنا ان نقيم مصالحة وطنية او مجتمعية او ايا كان اسمها، فان علينا ان نغادر نهج المحاصصة، الذي لا ينتج في احسن الاحوال الا تهدئة مؤقتة، لا تلبث ان تنفجر على اصحابها. ذلك ان المصالحة ترتبط عضويا ومباشرة بالاصلاح، ولا مصالحة حقيقية من دون اصلاح حقيقي.
وهل يا ترى يمكن اجراء انتخابات عادلة ونزيهة، وضمان تمثيل شعبي حقيقي في المؤسسة التشريعية، من دون تعديل قانون الانتخابات الجائر، المحابي للقوى المتنفذة، ومن دون اعادة تشكيل مفوضية الانتخابات بعيدا عن المحاصصة، ومن دون تفعيل قانون الاحزاب، وضمان اشراف دولي حقيقي على العملية الانتخابية؟!
الرفيقات والرفاق الاعزاء
ضيوفنا المحترمين
لقد استطاع الحراك الجماهيري متعدد الاشكال، في موجته الاخيرة، ان يتواصل احتجاجا وتظاهرا اكثر من 16 شهراً، وان يصمد امام كل الضغوط والمضايقات، وينتشر في كل انحاء العراق، ويستوعب كل فئات السكان، شيباً وشباباً ورجالاً ونساءً، ويحافظ على طابعه السلمي. وبذلك اثبت اصالته، كونه ضرورة موضوعية، وردا صارخا على المحاصصة والارهاب والفساد، وعلى سوء الادارة وإهمال الخدمات، واكد استعادة الشعب المتزايدة للثقة بالنفس وبقدرة نشطائه اذا ما وسعوا صفوف الحراك، ونوعوا ميادينه، وأحسنوا تنظيمه، ووحدوا قيادته، ان يفرضوا بجدارة واقتدار مطالبهم، ويحققوا اهدافهم.
كل الدعم والاسناد لحركة جماهيرنا المنعشة، الهادفة الى بناء العراق المدني الديمقراطي، والساعية الى رسم ملامح مستقبل العراق الزاهر، في مواجهة المشاريع المشبوهة التي تريد ابقاء الوطن مشدودا للاسس البائسة، التي قادت الى كل المآسي التي عاشها البلد.
تحية من القلب للناشطات والناشطين في سوح الاحتجاج، وهم يهتفون بصوت هادر ضد المحاصصة والارهاب والفساد، ومن اجل التغيير والاصلاح، والدولة المدنية الديمقراطية .
لتتوحد جهود الخيرين الوطنيين وكل الشرفاء من ابناء شعبنا، لا سيما قوى التيار المدني الديمقراطي، لرفع راية العراق الديمقراطي المدني عالياً، ولنفتح طريقا جديدا لضمان حرية الوطن وكرامة الشعب وعزته. ضد المحاصصة والارهاب والفساد ومن اجل التغيير والاصلاح والدولة المدنية الديمقراطية.
عاش العراق ديمقراطيا مدنياً اتحادياً مستقلا وموحدا.
المجد لشهداء الحزب والشعب
عاش المؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي العراقي.