من الحزب

سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي لوكالة "باسنيوز": المؤتمر الوطني العاشر وجه رسائل تضامن مع الشعب الكردي

أجرت وكالة الانباء "باسنيوز" الكردستانية حواراً مع الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، بشأن نتائج المؤتمر الوطني العاشر للحزب وموقف الشيوعيين من القضايا والمستجدات السياسية في البلاد والمنطقة.
أدناه نص الحوار:
باسنيوز: كيف تقيمون المؤتمر العاشر لحزبكم والنتائج التي خرج بها؟
رائد فهمي: لقد حقق مؤتمرنا نجاحاً متميزاً على أكثر من صعيد. فقد انجز جدول أعماله كاملاً وأقرّ الوثائق المقدمة اليه، وهي : برنامج الحزب والنظام الداخلي مع التعديلات والتدقيقات التي اعتمدها المؤتمر، والتقرير السياسي، والتقرير الانجازي. كما اصدر وثيقة بعنوان "مشروع التغيير نحو دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية"، واطلق ثلاثة نداءات. احدها موجه إلى الشيوعيين خارج التنظيم لاعادة الصلة والعودة إلى الحزب، والآخر إلى القوى والشخصيات المدنية الديمقراطية لتجاوز حالة التشتت وتوحيد عملها، تعزيزأ لدورها السياسي وتأثيرها في الحياة السياسية العامة ومن أجل مغادرة نهج المحاصصة نحو الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية. اما النداء الثالث فموجه إلى المثقفين لتنشيط وتوسيع دورهم التنويري في مواجهة أفكار وثقافة التعصب والغاء الآخر والانغلاق والانشداد إلى الماضي.
واتخذ المؤتمر ايضاً مجموعة من القرارات والتوصيات، ووجه عدداً من رسائل التحية: إلى القوات المسلحة وسائر القوات الساندة لها في الحرب ضد داعش ، وإلى النازحين، وإلى المرأة العراقية، وإلى أنصار الحزب البواسل، كذلك رسائل تضامن مع الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان، ومع أبناء شعبنا الأيزيديين، ومثلها مع الشعب الفلسطيني، ومع الحزب الشيوعي السوداني وقواه الديمقراطية، ومع حركات اليسار والأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربية والعالم، اضافة إلى طائفة من الرسائل الأخرى.
وانتخب المؤتمر هيئته القيادية، وهي اللجنة المركزية التي شهدت تجديدا في عضويتها بنسبة 42 في المائة، معظمهم من الشباب الذين تقل اعمارهم عن 35 سنة والذين اصبحوا يشكلون أكثر من ثلث أعضائها، إضافة إلى انتخاب اربع نساء. وانتخبت اللجنة المركزية سكرتيرا جديداً للحزب، بعد قرار رفيقنا حميد مجيد موسى عدم الترشح مجددا، كما انتخبت مكتبها السياسي وبضمن اعضائه امرأة لأول مرة في تاريخ الحزب. وانتخب المؤتمر ايضا لجنة الرقابة المركزية.
وكان لأعمال المؤتمر ونتائجه، ولحفل افتتاحه بحضور رسمي وشعبي كبيرين ونوعيين وتغطية اعلامية مباشرة من قبل عدد من الفضائيات ووسائل الاعلام الأخرى، اصداء سياسية وشعبية واسعة فاقت التوقعات.
لذلك نشعر بارتياح كبير من أعمال المؤتمر ونتائجه ، ومن الاهتمام به الذي تجاوز دائرة الشيوعيين ليشمل الفضاء الوطني الأوسع.
باسنيوز: تم اختياركم سكرتيراَ للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي. ماذا في جعبتكم من تغييرات جوهرية لتطوير أداء حزبكم؟
رائد فهمي: إن مهمة اللجنة المركزية وسكرتيرها هي السهر على تنفيذ قرارات المؤتمر الوطني، وتطبيق السياسة التي اقرها كما تحددها الوثائق البرنامجية والتقرير السياسي والقرارات الصادرة عنه. وقد اكد المؤتمر في مناقشاته ومن خلال التوجهات السياسية والتنظيمية الواردة في التقارير والوثائق التي صادق عليها، مواصلته نهج الديمقراطية والتجديد على صعيد الفكر والسياسة والتنظيم، وهو النهج الذي اطلقه المؤتمر الوطني الخامس للحزب عام 1993، وحقق نقلة جديدة في المؤتمر الوطني العاشر.
وسيكون عمل ونشاط الحزب على مختلف الصعد وفي جميع الميادين، مكرسا لتأمين شروط ومتطلبات تنفيذ شعار المؤتمر : "التغيير – دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية " عبر ترجمته إلى برامح عمل ومبادرات، ترتقي بمستوى اداء تنظيمات الحزب، وتوثق صلاتها بالجماهير، وتعزز قيامها بدور متنام في الدفاع عن مصالحها ومطالبها المشروعة في العيش الكريم والأمن والسلام. كما يتوجه الحزب نحو مزيد من الانفتاح على القوى المدنية الديمقراطية، وسائر القوى والشخصيات الوطنية المتطلعة الى الاصلاح الحقيقي والتغيير، لبناء اصطفاف سياسي واسع قادر على تعديل موازين القوى لصالح مشروع التغيير المدني الديمقراطي ، بما يعنيه هذا من نبذ لنهج المحاصصة الطائفية، وبناء دولة المؤسسات الاتحادية على وفق مبدأ المواطنة، الدولة الضامنة لحقوق جميع اطياف الشعب العراقي ومشاركتهم الفعلية في ادارة شؤون البلاد ومؤسسات الدولة، والكفيلة بتحقيق المصالحة الوطنية والمجتمعية وتأمين ظروف واجواء العيش المشترك، ووضع حد لحالة التوتر والاحتقان والتوجس وعدم الثقة في العلاقة بين مكونات شعبنا.
ولكي يكون حزبنا اهلا لمواجهة التحديات التي تفرضها هذه المهمات والأهداف، سنواصل العمل على تطوير آليات عمله الداخلية، بما يحقق المشاركة الأفضل لأعضائه ورفع كفاءة وفاعلية ادائهم ونشاطهم، كي يتمكن الحزب من توسيع دائرة حضوره وتأثيره في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
ومن توجهات عملنا الأساسية في الفترة القادمة، اعادة الصلة بالشيوعيين الذين غادروا التنظيم لكنهم ظلوا متمسكين بانتمائهم الفكري والسياسي. كذلك توسيع شبكة الاتصال والتواصل مع القوى والتنظيمات والشخصيات المتبنية والمساندة للمشروع المدني الديمقراطي، وتنشيط الحوارات معها لبلورة صيغ فاعلة للعمل الموحد. كما سيشكل المزيد من الانفتاح على المثقفين والمبدعين والاكاديميين، محورا مهما في عمل وتوجهات الحزب. وستظل المشاركة النشيطة والفاعلة في الحراك الشعبي بمختلف اشكاله وتعبيراته، نهجا ثابتا نسعى إلى تعزيزه وتطويره، إلى جانب تبني المطالب الشعبية المشروعة وتقديم الدعم والاسناد لها.
باسنيوز: ماهو برنامجكم القادم بشأن الوضع الداخلي لحزبكم ودوره في العملية السياسية في العراق؟
رائد فهمي: ان شعار المؤتمر الداعي إلى التغيير نحو الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية والعدالة الاجتماعية، يلخص جوهر مشروعنا لمعالجة الأوضاع المستعصية، التي تشهدها البلاد على مختلف الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. فنهج المحاصصة الذي اعتمدته العملية السياسية طوال السنوات الماضية، قاد إلى الفشل في حل اي من الأزمات، ولم يحقق منجزا يذكر، بل وبدد موارد العراق التي ذهبت إلى جيوب منظومات الفساد المنتشرة في مفاصل الدولة، أو انفقت في مشاريع فاشلة او وهمية ، كما ادى إلى سقوط اكثر من ثلث اراضي العراق وسكانه تحت سيطرة داعش، اعتى المنظمات الارهابية شراسة واجراما.
لقد توصلنا من خلال التحليل الدقيق لتطور الأوضاع منذ التغيير في عام 2003، الى ان تغيير نهج الحكم وتصويب مسار العملية السياسية، بات ضرورة ملحة وليس خياراً. وبعكس ذلك، ستشهد اوضاع البلاد مزيدا من التدهور وتتفاقم الازمات وتشتد معاناة الشعب. وان الحراك الشعبي المتواصل منذ حوالي سنة ونصف السنة والمطالبة بالاصلاح والقضاء على الفساد، انما يعبر عن نزوع شعبي واسع نحو التغيير. وهذا التغيير المطلوب يتمثل في انهاء نهج المحاصصة، والانتقال من دولة المكونات إلى الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والمؤسسات والعدالة الاجتماعية. وإذْ يواجه الاصلاح والتغيير مقاومة شديدة من القوى التي لها مصلحة في الابقاء على الأوضاع القائمة، فلا بد من تغيير موازين القوى عبر تحقيق وحدة عمل القوى المدنية الديمقراطية، وبقية انصار الدولة المدنية من الاسلاميين والوطنيين على اختلاف انتماءاتهم .
لقد شخص حزبنا في وقت مبكر ابتعاد مسار العملية السياسية عن السكة السليمة، ونبّه جميع اطراف هذه العملية تكرارا إلى ضرورة عقد مؤتمر وطني يُحضَّر له جيدا، للتحاور والتباحث في سبل مراجعة نهجها وتصويبه. ولكن وللأسف لم تلق دعواتنا استجابة، فتعمقت أزمة العملية السياسية، ونحن لا نرى افقا واعداً لاصلاحها وتقويم مسارها من دون مغادرة نهج المحاصصة الطائفية والأثنية ، الذي هو أسُّ الأزمات والفشل في بناء الدولة ومؤسساتها.
باسنيوز: الكثيرون يعتقدون ان الحزب الشيوعي العراقي ، يمر بازمة حقيقية من حيث التنظيم الداخلي وجذب وتوعية الجماهير، وغالبية اعضاء وكوادر الحزب هم من جيل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ونرى غياب العنصر الشبابي في القيادة والقواعد، ماهي الاسباب وكيف ستعالجون هذه المشكلة؟
رائد فهمي: اعتقد ان نتائج المؤتمر الوطني العاشر قد قدمت اجابة عملية وملموسة تبين خطأ هذا الاعتقاد. فاللجنة المركزية التي انتخبها المؤتمر، والمكونة من 31 عضوا، تضم اليوم 13 شاباً وشابة تقل اعمارهم عن 35 سنة، اي ما يزيد على ثلثها، فيما تتبوأ اعداد أخرى من الكوادر الشابة مواقع قيادية في مختلف مستويات العمل الحزبي.
باسنيوز: في ظل الاجواء الحالية في العراق وميول غالبية الجماهير نحو احزاب الاسلام السياسي، كيف يمكنكم الاستمرار في العمل بتلك الاجواء؟
رائد فهمي: تُبيّن تجربة السنوات الماضية منذ 2003 استمرار عمل الحزب الشيوعي العراقي وانتشار وجوده ونشاطه في جميع المحافظات العراقية. واليوم اصبح حضوره النشيط في الحياة السياسية راسخا، ويحظى بقبول واحترام سائر القوى والحركات السياسية على اختلاف توجهاتها ومرجعياتها السياسية والايديولوجية ، بضمنها الأحزاب والقوى الاسلامية. اضف إلى ذلك أن صورة الشيوعيين الأكثر حضورا في الأذهان لدى عامة الناس وغالبية الجماهير، هي صورة الوطنيين النزيهين . فجوابنا على سؤالكم هو أن الشيوعيين لا يواجهون مشكلة أو اجواء تمنع عملهم ونشاطهم. وما يعزز ذلك هو الحضور الرسمي والشعبي الواسع والمتنوع في حفل افتتاح اعمال المؤتمر الوطني العاشر، والاصداء الشعبية الايجابية لانعقاده ولنتائجه.
باسنيوز: هناك احزاب وتنظيمات سياسية حديثة التأسيس ولكنها غنية مادياً، والحزب الشيوعي من الاحزاب العريقة ولكنه لايمتلك امكانيات مالية بقدر تلك الاحزاب، ماهو السبب او الأسباب ؟
رائد فهمي: الجواب على سؤالكم في غاية البساطة. فالحزب الشيوعي العراقي لا يتلقى الدعم والتمويل من اية جهة دولية خارجية، ولا من اصحاب المال والثروة ورجال الأعمال الأغنياء. كما أنه لم يمد يده إلى المال العام عندما تسنم ممثلوه مناصب عليا في الدولة.
باسنيوز: بالقياس او المقارنة مع القوى السياسية العراقية الاخرى ، امكانياتكم المالية متواضعة لادارة امور الحزب وخاصة في المجال الاعلامي، كيف ستتنافسون مع تلك القوى في الانتخابات المقبلة؟
رائد فهمي: انتم محقون في ما يتعلق بضآلة مواردنا المالية، مقارنة بالأحزاب المتنفذة ذات الامكانيات المالية والاعلامية الكبيرة. ولا شك ان المنافسة ستكون صعبة بالنسبة الينا نظرا الى عدم التكافؤ في الموارد، ولعدم انطلاقنا في المنافسة من خط شروع واحد. لكن رغم ذلك لن نتردد في خوض المنافسة الانتخابية، مستندين في ذلك إلى سياستنا السليمة ومشروعنا في التغيير نحو الدولة المدنية الديمقراطية، الذي يلقى اصداء ايجابية متزايدة، بجانب استنادنا إلى مرشحين يتصفون بالنزاهة والكفاءة.
باسنيوز: ونحن نقترب من انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية، هناك بوادر لتحالفات سياسية جديدة، الحزب الشيوعي العراقي يميل الى أي من التحالفات الجديدة؟
رائد فهمي: لا يزال الوقت مبكرا لتحديد شكل التحالفات التي سيشكلها الحزب لخوض الانتخابات. لكن وجهة الحزب هي تشكيل تحالف مع القوى والأحزاب التي تشترك معنا في تبني مشروع الدولة المدنية الديمقراطية ، وبناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.
باسنيوز : كيف ترون مستقبل التيار المدني في ظل وجود أحزاب سلطة تمتلك ميليشيات مسلحة؟
رائد فهمي: استنادا إلى المؤشرات الدالة على موقف مختلف القطاعات الشعبية والرأي العام من شعارات وأهداف ومشروع التيار المدني، نعتقد أن لهذا التيار افقا واعداً.
باسنيوز: الشعب الكردي ورئيس اقليم كردستان السيد مسعود البارزاني يسعون الى اجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الكردي، هل انتم مع حق تقرير المصير للشعب الكوردي؟
رائد فهمي: للحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه، موقف مبدئي ثابت مؤيد لحق الشعوب في تقرير مصيرها بشكل عام، ولحق الشعب الكردي بشكل خاص. ويجد هذا الحق تعبيره السياسي الملموس في كل مرحلة، بالارتباط مع ظروفها السياسية والاقتصادية - الاجتماعية على الصعيد العراقي والاقليمي والدولي. وإذا ما تتبعنا مسار نضال الحركة القومية التحررية الكردية في العراق خلال العقود الماضية، نجد انها حققت نجاحات على طريق انتزاع حقوقها ، بالتحالف والنضال المشترك مع القوى الديمقراطية واليسارية العراقية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي . فبعد ثورة 14 تموز 1958 ، تم الاعتراف دستوريا بان العرب والكرد شركاء في الوطن ، ونص دستور عام 1970 بان العراق يتألف من قوميتين رئيستين هما العربية والكوردية. وفي اوائل سبعينات القرن المنصرم ، نال الشعب الكردي مطلبه في الحكم الذاتي ضمن الدولة العراقية ، إلاَ ان نظام البعث الدكتاتوري افرغ مؤسسات الحكم الذاتي من مضامينها ولم يسمح للممثلين الحقيقيين للشعب الكردي بادارتها وبممارسة حقوقهم السياسية والثقافية بحرية. فواصل الشعب الكردي ومعه القوى الديمقراطية العراقية النضال من اجل الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان. وارتباطا بالاوضاع التي نشأت بعد احتلال الكويت اوائل تسعينات القرن الماضي، تطور الشعار ليصبح: الفيدرالية لكوردستان ضمن عراق ديمقراطي اتحادي. وقد تحقق هذا الشعار عمليا على الأرض منذ عام 1991 عندما تحررت مناطق اقليم كردستان من سيطرة السلطة الدكتاتورية في بغداد، وجاء الدستور العراقي في عام 2005 ليثبت كون العراق دولة ديمقراطية اتحادية، وكردستان اقليما له دستوره وحكومته وتشريعاته الخاصة في اطار الدولة الاتحادية. ونظم الدستور توزيع السلطات والصلاحيات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الأقليم ، لتتيح للأقليم ادارة شؤونه بدرجة عالية من الاستقلالية.
نحن نتفهم الدعوة الى الاستفتاء بشأن حق تقرير المصير باعتباره حقا للكرد في تداول شؤونهم ، والاستفتاء يحمل في طياته السؤال المهم فيما اذا كان الظرف الراهن ناضجا، كردستانيا اولاً ، ومن ثم عراقيا واقليمياً ودوليا، لانتقال شعب الاقليم إلى مستوى آخر في علاقته مع الحكومة الاتحادية واقامة الدولة المستقلة، آخذا بعين الاعتبار الحاجة الملحة التي تواجهها كوردستان في السعي الى اعادة تنظيم البيت الكوردستاني على الصعيد السياسي، والوصول الى توافق بين القوى الكوردستانية وتحقيق التعاون والتنسيق واللحمة فيما بينها وتوفير أجواء من الاستقرار الامني والسياسي والديمقراطية والحريات، والمصالحة الوطنية الحقيقية في اطار العراق.
عتقد أن الأجابة هذا السؤال هي شأن كردستاني بالدرجة الأساس، ولكن له بالضرورة تداعيات وانعكاسات على العلاقة مع محيط كردستان.
باسنيوز: بعد دحر تنظيم مايسمى بالدولة الاسلامية من المناطق المشمولة بالمادة (140) من قبل قوات الپيشمرگة ، ظهر واقع جديد في تلك المناطق، بما انكم شغلتم منصب رئيس اللجنة العليا لتنفيذ المادة المذكورة، ماهي الجهة أو الجهات التي كانت وراء عدم تنفيذها قبل ظهور داعش؟
رائد فهمي: تنص المادة 140 من دستور جمهورية العراق على حسم اوضاع المناطق المتنازع عليها عبر ثلاث مراحل : التطبيع، الاحصاء، ومن ثم الاستفتاء. ويقصد بالتطبيع تعويض المتضررين من السياسة الشوفينية للنظام السابق، وإعادة المهجرين، ومعالجة آثار اجراءات التغيير الديموغرافي، وفي الحدود الإدارية، وإلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة ولجنة شؤون الشمال المنحلين، لا سيما المتعلقة منها بمصادرة الأراضي ونزع الملكية ، إضافة إلى أزالة الاثار الأخرى لسياسات النظام السابق.
لم تستطع لجنة تنفيذ المادة 140 انجاز مرحلة التطبيع بصورة كاملة، رغم الجهد الكبير الذي بذلته، وذلك بسبب عدم توفر الإرادة السياسية اللازمة لحسم بعض المعوقات التي ظلت عالقة، خصوصا تلك المتعلقة بتثبيت حدود المناطق المتنازع عليها، وتأمين اعادة الاراضي التي تمت مصادرتها او التجاوز عليها الى مالكيها الأصليين، والغاء قرارت النظام السابق، ما جعل من المتعذر الانتقال إلى مرحلة الأحصاء، تمهيداً لاجراء الاستفتاء. وعلى سبيل المثال، لم تنجزعملية التعويض بسبب عدم تخصيص الأموال اللازمة لذلك، والتي كانت تقدر بملياري دولار تقريبا في عام 2010.
باسنيوز: قوات الپيشمرگة خاضت حرباً ضروساً ضد النظام السابق وقدمت عشرات الالاف من الشهداء والجرحى، وفي العراق الجديد وكلت اليها مهام حماية معظم وزارات ومؤسسات الدولة العراقية، ومنذ أواسط 2014 تصدت لتنظيم مايسمى بالدولة الاسلامية على جبهة بطول أكثر من 1000 كيلومتر ولم تصرف لها الحكومة الاتحادية أية مستحقات مالية كرواتب و تجهيز وتسليح، في حين ان قوات الحشد الشعبي التي تشكلت في 2014 وخصص لها مبالغ كبيرة من موازنة العام المقبل، برأيكم ماسبب هذه الازدواجية في التعامل؟
رائد فهمي: ظلت قضية توفير التخصيصات المالية لرواتب وتجهيزات البيشمركة، احدى المشاكل العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم على مدى سنوات، من دون التوصل إلى حل لها، مسببة معاناة كبيرة لمقاتلي البيشمركة البواسل. وليس مقبولا ان يستمر الاستعصاء في التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن، في الوقت الذي تخوض فيه قوات البيشمركة معارك بطولية ضد تنظيم داعش الارهابي، إلى جانب قواتنا المسلحة الباسلة ومتطوعي الحشد الشعبي الأبطال. ولقد آن الأوان لحسم الاختلافات حول تنفيذ التزامات الحكومة الاتحادية إزاء قوات البيشمركة، باعتبارها جزءا من القوات المسلحة العراقية.
باسنيوز: يروج خلال هذه الأيام مايسمى بالتسوية الوطنية أو التاريخية، هل يمكن للقوى السياسية العراقية أن تسوي خلافاتها في ظل التناقضات العديدة؟
رائد فهمي: تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية والمصالحة المجتمعية هو هدف يعمل حزبنا والقوى المدنية الديمقراطية عموماً، بثبات وهمة عالية ومن دون توقف، من اجل توفير شروط ومتطلبات تحقيقه. ولا يمكننا إلا أن نحيي أي جهد أو مبادرة في هذا الخصوص. لكننا، كحزب، لنا رؤيتنا وتصوراتنا الخاصة في شأن السبيل إلى تحقيق المصالحة الحقيقية. فقد أثبتت تجربة السنوات الماضية أن النهج المنطلق من تكريس دولة المكونات وتشطيرها إلى حصص، تتقاسمها القوى التي تدعي تمثيل هذه المكونات، لا يقدم حلولا ناجعة لتجاوز حالة عدم الثقة والتنازع على النفوذ والامتيازات، ما بين القوى السياسية الماسكة بالسلطات.
فقراءتنا لمبادرة التسوية التاريخية أو الوطنية، التي لا نختلف مع الكثير مما ورد في نصوصها، هي انها تعيد انتاج ذات المنظومة السياسية، التي فشلت حتى الآن في احراز تقدم ذي شأن على طريق المصالحة الوطنية والمجتمعية المنشودة. ذلك ان مسار المصالحة ليس - من وجهة نظرنا - منفصلا عن الاصلاح المطلوب في اتجاه التخلي عن نهج المحاصصة، الذي ثبت فشله في عملية بناء الدولة وتحقيق السلم الأهلي والتنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد وتوفير الخدمات والاعمار، وفي اتجاه بناء دولة مدنية ديمقراطية ، هي دولة المؤسسات وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، التي تقوم على اساس مبدأ المواطنة.
لذلك لا نتوقع لمبادرة التسوية المطروحة أن تأتي بنتائج تختلف عن مبادرات سابقة، لا تختلف عنها في الجوهر.
باسنيوز : هناك عدة سيناريوهات مطروحة لمرحلة مابعد داعش، هل تتوقعون تفاقم الخلافات بين المكونات و قيام حرب أهلية بعد عملية تحرير الموصل؟
رائد فهمي: تشيرون في السؤال الى تداول مشاريع وسيناريوهات متعددة لمرحلة ما بعد داعش، بعضها يرجح اسوأ الاحتمالات وصولاً إلى نشوء حالة اقتتال. لا شك ان تحديات ما بعد داعش كبيرة، خاصة اذا وضعنا في الاعتبار كون اندحارها عسكرياً لا يعني بالضرورة نهايتها، ناهيك عن نهاية الأرهاب. ومن بين اول التحديات مواصلة محاربة ذيول داعش وخلاياها النائمة، والتحسب لقدرتها على الانتقال إلى اشكال جديدة من التنظيم والعمل الارهابيين. أما اجتثاث جذور الارهاب وتجفيف منابعه ومنع إعادة انتاجه، فمهمة جسيمة متعددة الأبعاد: عسكريا، سياسيا، اجتماعيا - اقتصاديا وثقافيا.
ومن التحديات الكبرى الأخرى تأمين عودة جميع النازحين إلى مناطقهم، وإعادة اعمار المدن والقرى والبنى التحتية المدمرة. يضاف الى ذلك التحدي الذي غالبا ما يكون مصدرا للمخاوف والهواجس، وهو تفجرالضغائن والمطالبات بالثأر، التي تعتمل في صدور ذوي من ارتكبت بحقهم الجرائم والانتهاكات، من قبل بعض ابناء مناطقهم وعشائرهم، واللجوء من ثم إلى العنف.
وهناك مخاوف أخرى تتصل بالدور الذي ستلعبه الجماعات المسلحة المرتبطة بالأحزاب بعد انتهاء العمليات العسكرية، واحتمال ممارستها الضغوط للحصول على مكاسب سياسية، خصوصا وان الاستعدادات والتحضيرات قد انطلقت منذ الآن لاشغال مواقع لخوض الصراع. وتضاف إلى هذا كله المشاريع الاقليمية والدولية وتدخلاتها التي تزيد الأوضاع تعقيداً.
ان مآلات الأوضاع بعد داعش تتشكل معالمها منذ الآن في طريقة إدارة الحرب، وفي العلاقات بين الأطراف المشاركة فيها، وما بين القوى السياسية المتشاركة في الحكم، والقوى ذات النفوذ المحلي والوطني خارج الحكم.
ان الحرب ضد داعش ذات طابع وطني، لان كل الطيف الديني والمذهبي والقومي والثقافي العراقي قد تعرض الى الاستهداف من طرف داعش، وقدم قوافل من الشهداء والجرحى، وتعرض الكثير من ابنائه إلى التهجير او اضطروا الى الهجرة، فيما تعرض بعض الأقليات، ولا سيما الأيزيديين، إلى جرائم وانتهاكات ينطبق عليها توصيف الجرائم ضد الانسانية.وفي المعارك ضد داعش تحسنت العلاقات بين الاقليم والحكومة الاتحادية، كما ان الغالبية العظمى من أهالي المناطق المحررة من داعش تستقبل القوات المسلحة والبيشمركة وقوات الحشد الشعبي بالترحيب، فيما انحسرت الممارسات السلبية والتجاوزات. وتوفر هذه المعطيات الايجابية منصة قوية لمواجهة التحديات التي سبق ذكرها. كما ان التجربة المريرة التي عاشها ويعيشها أهالي المناطق المحررة، وكذلك المقاتلون وذووهم، تجعلهم يتطلعون إلى السلام والأمان. هذا فضلا عن العوامل الأقليمية والدولية، التي قد تخشى من تداعيات تفجر الأوضاع في العراق. لذا فنحن اكثر ميلا إلى اعتبار الانتصار على داعش محطة أمل، تساعد في ايجاد حلول ومعالجات سلمية للتحديات. إلا أننا لا نلغي احتمال مجيء الأسوأ، اذا لم تتصرف القوى المتنفذة بحكمة، ولم تغلب اسلوب الحوار على التشنج والتصعيد والقطيعة، في مواجهة الصعوبات والتعقيدات.