من الحزب

حسان عاكف في ندوة عامة بمدينة كولن الالمانية: بعد تحرير الأرض.. الحاجة ماسة الى تحرير الانسان العراقي

ماجد فيادي
نظمت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في ألمانيا، الأسبوع الماضي، ندوة سياسية جماهيرية تناولت مستجدات الاوضاع السياسية في العراق، وكذلك أبرز مخرجات المؤتمر الوطني العاشر للحزب.
الندوة التي حضرها حشد من رفاق وأصدقاء الحزب من ابناء الجالية العراقية في المانيا، عقدت في مدينة كولن، وابتدأها الرفيق ناظم ختاري سكرتير منظمة الحزب بالترحيب بالضيوف، والوقوف دقيقة صمت استذكارا لشهداء الحزب والحركة الوطنية وشهداء القوات المسلحة بكافة صنوفها وتشكيلاتها في محاربة دولة الخلافة الإرهابية، وضحايا الإرهاب في العراق وكل مكان في العالم.
وحاضر في الندوة الرفيق حسان عاكف عضو المكتب السياسي للحزب، الذي تحدث عن اهم ملامح المرحلة الراهنة للشعب العراقي، بما تحمله من ازمة بنيوية مركبة، تشمل جميع مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، موضحا أسباب نشوئها واستمرارها منذ العهد الدكتاتوري وممارساته سياسات عنصرية وقمعية، مرورا بالتغيير الذي حصل على يد قوى خارجية وعبر الحرب ، فرضت اجندتها الخاصة بعيدا عن مصلحة الشعب العراقي، ثم أداء الأحزاب الحاكمة بعد العام 2003 وفق نهج المحاصصة الطائفية الاثنية الحزبية ، وانتشار واسع للفساد المالي والإداري، مستندا الى تغليب الهويات الفرعية على الهوية الوطنية ، لتحقيق مصالح شخصية وحزبية ضيقة. نتج عن ذلك فقدان للأمن والأمان بفعل إرهابيي داعش واحتلالهم مساحات واسعة ومدن عديدة من الدولة العراقية ، واجهها العراقيون بحرب التحرير الوطنية الباسلة ، على يد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمتطوعين بكل فصائلهم ، أدت الى تحرير تلك المدن والمساحات الشاسعة ، لم يبق اليوم سوى جزء صغير من مدينة الموصل في طريقه الى التحرير، لكنه يبقى تحريراً عسكرياً ، بحاجة الى استكماله بتحرير الانسان العراقي اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفكريا، حتى نسد الطريق على الفكر المتطرف في تهيئة خلايا نائمة يمكن استخدامها في أي وقت ، لخلخلة الوضع الأمني، وانعكاسه سلبا على باقي مناحي حياة العراقيين.
وتناول الرفيق حسان عاكف الحراك الجماهيري في ساحات التحرير بالمدن العراقية، كيف بدأ ومن انظم له، كيف يدار وما هو دور الشيوعيين فيه، من هي القوى الفاعلة وما هي المشتركات الوطنية التي يجتمعون حولها، العلاقة مع التيار الصدري. ثم بين الآثار الثقافية والسياسية التي رافقت الحراك وحجم الوعي الجماهيري للمتضررين من سياسة الأحزاب الحاكمة وانتشار الفساد في مفاصل الدولة العراقية ، وإمكانية ديمومته وتمسك المدنيين بالتظاهر بغض النظر عن تغيب بعض الأطراف، مشيرا الى ان بداية الحراك الاحتجاجي جاءت مطالبة بالخدمات ثم اضيف له القضاء على الفساد، وتطور اليوم ليشمل تعديل وجهة العملية السياسية والاصلاح السياسي من خلال حزمة مطالب سياسية وقانونية وادارية بضمنها المطالبة بقانون انتخابات عادل يعتمد الدائرة الانتخابية الواحدة والقائمة النسبية، ومفوضية انتخابات مستقلة جديدة ، بعيدا عن المحاصصة الحزبية، قادرة على إيقاف الأخطاء والتزوير في العملية الانتخابية ، والغاء يوم التصويت الخاص، واشراف هيئات دولية، من اجل الوصول الى تركيبة برلمانية قادرة على النهوض بأعباء البلاد وحل مشاكلها.
وأشار عاكف: كل هذه المتداخلات تدفعنا لطرح السؤال المهم ، ماذا بعد القضاء على داعش؟ وكيف يمكن معالجة مخلفاته الإرهابية ، في خراب البنى التحتية ومعاناة المتضررين وعودة النازحين وتعويضهم، واعادة بناء المدن وفض النزاعات الثأرية بين العشائر وداخل العشيرة الواحدة وحتى داخل العائلة الواحدة؟، والتفاهمات السياسية المطلوبة.
على اثر ذلك بين الرفيق عضو المكتب السياسي الطروحات التي تقدمها مختلف الجهات السياسية ، في طريقة إدارة المدينة بعد القضاء على داعش ، باعتبار أن الأسلوب القديم لم يكن ضامنا لحياة اغلبية سكان المدينة بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والطائفية، بعض الحلول جاءت بمبررات مفهومة ومنها جاء بدافع التنصل عن المسؤولية وأخرى بدافع الحصول على مكاسب جديدة ، اما موقف الحزب الشيوعي العراقي من ذلك فهو ينبع من الحلول التي يوفرها الدستور العراقي بقدر ما يتعلق الامر بالتغييرات الادارية المطروحة، اذا ما جرى مراعاة الوضع العراقي العام في مخاطره وتضارب المصالح واهمية قبول الآخر على التوافق والتفاهمات الوطنية، وان لا يخرج الحل عن كونه سلميا بعيدا عن التلويح بالقوة والتخندق وافتعال المعرقلات والأزمات ، وان ياخذ بالدرجة الاولى مصالح وحاجات سكان المنطقة، وياخذ رأيهم بعيدا عن الضغوط والاملاءات الداخلية والخارجية، كونهم اصحاب المصلحة الحقيقية المعنيين بالحل.
وانتقل الرفيق الى ما تطرحه الأحزاب الحاكمة من حلول جديدة للازمة العراقية، بالتسوية الوطنية أو التاريخية والتسوية الاجتماعية و”الورقة او الاوراق السنية”، وهي تسميات متنوعة لمشروع المصالحة الوطنية ، وباقي الأفكار من قبيل حكومة الأغلبية السياسية او حكومة الاغلبية الوطنية، وما الى ذلك . مبينا انها جميعا تنطلق من ثقل ضغط الحراك الاحتجاجي للجماهير وازدياد عزلة السياسة الطائفية والعرقية للأحزاب الحاكمة بعد العام 2003، وما رافقه من أداء أضر بواقع المواطنة والمواطن العراقي، مبينا ان هذه الحلول في بعضها يمكن ان تصلح لمجتمعات مستقرة سياسيا واقتصاديا وامنيا ، مثل الدول الاوربية ، لكنها لا تصلح لبلد متعدد الاطياف يعيش حالة خراب كبير في ظل مرحلة انتقالية، وعدم ثقة وفقدان للأمان ، مؤكدا ان ما يراه الحزب الشيوعي العراقي مناسبا للبلد في المرحلة الراهنة هو حكومة توافق وطني تعمل بعيدا عن كل اشكال الانحراف والفساد الذي مورس من قبل الأحزاب الحاكمة بعد العام 2003، مبينا ان الخلل يكمن في التطبيق وتحويل التوافق الى محاصصة، وليس الفكرة ذاتها، فالمحاصصة التي مورست في مؤسسات الدولة وتقسيم الوظائف والمغانم وصلت الى مواقع ابسط الموظفين، ولا بد من برلمان قادر على تقديم حكومة كفاءات تعمل بجد على محاربة الفساد لإنهاء الخراب الذي يعم البلد.
بعد هذه المقدمة انتقل الرفيق للحديث عن المؤتمر الوطني العاشر للحزب، كونه محطة أساسية لتقييم سياسة وأداء الحزب منذ العام 2003 ، خصوصا مرحلة مابعد المؤتمر التاسع، الى يوم عقد المؤتمر، رافق ذلك نشاط تحضيري واسع، تمثل بطرح وثائق المؤتمر قبل عام ليس فقط على جمهور وأعضاء الحزب وانما على عموم المواطنين للنقاش وتقديم المقترحات، لحقه انتخاب مندوبين للمؤتمر بطريقة ديمقراطية تمهيدا لمشاركتهم ، تكلل ذلك بافتتاحية علنية للمؤتمر، تركت اثاراً إيجابية على المندوبين وعلى الاجواء السياسية.
في ختام مداخلته قرأ الرفيق حسان عاكف مقطعا من تقريرالحزب عن المؤتمر الوطني العاشر، خصص للبديل الذي ينشده الشيوعيون.
وفتح الرفيق ناظم ختاري باب الحوار وطرح الأسئلة، فكانت محملة بروح المصارحة والتقييم وأخرى تناولت الواقع العراقي وسبل الحل التي يراها الحزب الشيوعي العراقي، قوبلت بإجابات لم ينقصها الصراحة والمباشرة، سلطت الضوء على مخاوف الناس وهمومهم وتطلعاتهم، وامكانيات الحزب المتاحة لإجراء التغيير.
في ختام الفعالية شكر الرفيق ناظم الحضور والضيف متمنيا للشعب العراقي الخلاص من الفكر المتطرف، حتى يتمكن من بناء الدولة العراقية المدنية الديمقراطية الاتحادية.