من الحزب

كلمةَ الحزب في الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لانتفاضة الحي

ألقى الرفيق جاسم محمد عيسى عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، كلمةَ الحزب في الاحتفال بذكرى انتفاضة الحي 1956 الذي أُقيم أمس الأول الجمعة في مركز قضاء الحي بمحافظة واسط.
وفي ما يأتي نص الكملة:
إنها لمناسبة عطرة أن نحتفي في عام الذكرى الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي.. حزب البطولة والشهداء، بانتفاضة الحي، ذلك الحدث النضالي الكبير الذي اجترحته جماهير هذه المدينة البطلة في كانون الأول من عام 1956.
لقد شكلت انتفاضة الحي تواصلا وتصعيدا نوعيا لنضالات جماهير شعبنا العراقي في تلك الظروف التي كانت تتسم بحدة التناقضات بين الشعب والنظام الملكي شبه الإقطاعي المرتبط بالمصالح الاستعمارية، وبين فقراء الفلاحين والإقطاعيين الذين عانى الفلاحون من ظلمهم وبشاعة استغلالهم، فضلا عن التناقضات الطبقية والاجتماعية الأخرى.
وكان للعدوان الثلاثي على الشقيقة مصر، وما تلاه من ردود فعل على الصعيد الجماهيري في المنطقة أثرُه البالغ في تأجيج مشاعر الاستياء ضد هذا العدوان الغاشم، ومشاعر التضامن مع الشعب المصري. وكانت مدن العراق، ومنها الحي، تعيش أجواءَ التضامن بشكل جلي وواضح.
ومثلت الانتفاضة من جانب آخرَ تحدياً بطولياً للقمع الذي كانت تمارسه السلطة الرجعية العميلة ضد القوى الوطنية والديمقراطية، ومصادرة الحريات وتعطيل الحياة السياسية والدستورية، وشكلت امتداداً لانتفاضات الشعب العراقي على طول ساحة الوطن وعرضها، مثل انتفاضة آل ازيرج، وانتفاضة قلعة دزة، وانتفاضة فلاحي الشامية .
إن الحالة الثورية التي عاشتها مدينة الحي كانت تتجلى في التظاهر اليومي، رغم القمع الذي واجهته الانتفاضة من قبل الأجهزة الحكومية بمختلف الأسلحة بما فيها المدفعية، ومحاصرة المدينة، وممارسة الحرب النفسية ضد الأهالي والمتظاهرين، ومطالبتهم بتسليم الناشطين من قادة المظاهرات، إلا إن أهالي المدينة، عربا وكردا، رفضوا الرضوخ لهذه المطالب واتخذوا قرارَ المواجهة والمقاومة.
وعلى أثر ذلك اتخذت الحكومة العميلة قرارها الإجرامي بشن هجوم شامل ومن محاور عدة لاجتياح المدينة، فيما التظاهرات استمرت وتواصلت أياماً عدة. وقد سقط اثر ذلك العديد من الشهداء والجرحى أمثال الشهيد كاظم الصايغ والشهيدة ركيه شويلية والشهيد حميد فرحان الهندول. وبعد أن سيطرت القوات الحكومية على المدينة، أخذت بمطاردة المشاركين في الانتفاضة واعتقالهم، وتمكنت من إلقاء القبض على العنصرين القياديين الشهيدين علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس. وفي محاكمة صورية سريعة وغير قانونية، جرى إصدار حكم الإعدام بحقهما، الذي نفذ ف? اليوم العاشر من كانون الثاني عام 1957. لقد خلدت مدينة الحي شهداء الانتفاضة الباسلة، وخرّجت أجيالاً من المناضلين الذين واصلوا الدرب واجترحوا مآثر نضالية يشهد لها تاريخ وطننا المعاصر. نعم، هتفت الجماهير بحياة الشهداء وهي تردد مع شاعر العرب الجواهري الكبير: يا بنت رسطاليس قصي نستمع عــن عاشقيك أقارباً وأبـاعـدا والصاعدين الى المشانق مثلما ارتقت النسور الى السماء صواعدا
لقد شكلت انتفاضة الحي، عن حق، إحدى المقدمات الهامة لانبثاق جبهة الاتحاد الوطني عام 1957, ومن ثم قيام وانتصار ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام 1958.
ونحن إذ نُحيي ذكرى انتفاضة الحي، ونستحضر القيم والأهداف النبيلة التي ضحى من اجلها شهداؤنا، فإننا نعيش اليوم وبلدنا يمر بأزمة عميقة، تبدو وكأنها عصية على الحل، جراء السياسات والنهج الذي سارت عليه القوى المتنفذة التي هيمنت على كل السلطات، وجرت بلدنا العزيز الى أجواء قاتمة من الصراعات والاحتراب، والتجييش الطائفي، وتوالد الأزمات.
اليوم تتجه الأوضاع الأمنية في وطننا الحبيب الى مزيد من التدهور والتصعيد الخطير بفعل النشاط الإجرامي المتفاقم لقوى الإرهاب، التي ندعم بقوة جهود الجيش وعشائر الأنبار للتصدي لها والقضاء عليها، وفي ظل غياب أي توجه جدي متوازن لوضع حد لذلك على أسس وطنية، وبالاستناد الى منهج يحرص على وحدة البلد، ولا يفرق بين أبنائه مهما تعددت قومياتهم وأديانهم وطوائفهم، وينتصر للهوية الوطنية الواحدة والموحدة للجميع. وفي هذه الأجواء تجري الاستعدادات لانتخابات مجلس النواب في 30 نيسان القادم. ولا تتوانى ذات القوى التي أوصلتنا الى م? نحن عليه الآن من فقدان للاستقرار السياسي وغياب للأمن والأمان، لا تتوانى عن استغلال محنة البلد عبر خطاب تضليلي بائس، واستغلال كل الوسائل والأساليب في حملتها الانتخابية من اجل البقاء في السلطة واحتكار الهيمنة والنفوذ وبما يخدم مصالحها الأنانية والضيقة. بالمقابل سعت القوى المدنية والديمقراطية الى توحيد قواها، والانطلاق نحو انتخابات مجلس النواب بقائمة مدنية واحدة، من اجل التغيير والحضور المؤثر للدفاع عن حقوق الناس، والانتصار لقضاياهم العادلة.
إن على القوى المدنية والديمقراطية، وكل أنصار الدولة المدنية، ومعارضي المحاصصة الطائفية - الإثنية، التهيؤ لخوض الانتخابات، والشروع بالتوجه نحو الناس في كل مواقعهم، في المدن والأرياف، لكي يتحملوا مسؤولياتهم في إحداث التغيير الذي بات مطلوبا على أكثر من صعيد وميدان.
وهو التغيير الضروري والمفضي الى وأد أس البلايا، ونعني نظام المحاصصة الطائفية – الإثنية، مولـّد الأزمات وحاضنة تناسلها المتواصل.
إن القوى المدنية والديمقراطية قد قبلت التحدي، وستسعى الى حملة انتخابية نشطة ومؤثرة من اجل أن يكون لها حضورٌ وتمثيل في البرلمان القادم، للعمل من اجل بناء الدولة المدنية، دولة المواطنة والمؤسسات، والدفاع عن مصالح الناس وتأمين الضمانات الاجتماعية.
تحية من القلب الى مدينة الحي وأهلها الطيبين
ومجداً خالداً لانتفاضتها البطولية.