اعمدة طريق الشعب

روح.. تعال باجر.. / عبدالسادة البصري

قبل عامين جاء أحد أصدقائي من المهجر ليسجل أطفاله المولودين هناك في السجلات العراقية ويستخرج لهم هوية أحوال مدنية. فرحتي به كانت كبيرة وأنا ألتقيه بعد فراق دام سنوات. أخذ يراجع دائرة الجنسية يوم.. يومين.. أسبوع .. وبعد مراجعته التقيته ضجراً يتأفف ويضرب أخماساً بأسداس.
سألته :ـ ما بكَ ؟! أجابني : دوخوني. أعدت سؤالي : لماذا ؟ أجاب : روح وتعال ..روح وتعال ..حتى جزعت نفسي. قلت له : هذا حال دوائرنا جميعاً ، يعجبون بك جداً فيشتاقون إليك لهذا يطلبون منك أن تراجعهم مرة وأخرى لإكمال معاملتك ! التفتَ لي قائلاً : هاي شنو عيني ..تنَكِت. قلت له : ماذا أقول لك ، هذه مشكلتنا جميعا فقال : يا أخي هناك تكمل معاملتك وتستلم الهوية أو أي شيء آخر خلال دقائق . قلت له : هناك، أما هنا فكل معاملة تستغرق زمناً لتكون الورقة الواحدة ملفاً يحوي العشرات.
نعم هذا حال كل مراجع إلى أي دائرة من دوائرنا وبالأخص الخدمية بحيث يصل بك الجزع إلى ترك معاملتك وتمزيقها ...لا توجد فوق شفاههم إلا :ـ روح..تعال باجر ..ناهيك عن الاستنساخ الذي يصل بالورقة الواحدة ــ أي استمارة مثلاً ــ إلى العشرات إضافة إلى المستمسكات الأربعة ، هذا إذا أراد الموظف أن ينهيها لك بوقت قصير .
ذات يوم كنت أراجع دائرة ما ، استغرقت مراجعاتي أسبوعين وعند إدخال معاملتي إلى المدير العام انتظرتها حتى نهاية الدوام بربع ساعة ليقول لي السكرتير : أخي معاملتك يمكن ضاعت. اندهشت وقلت له : معقولة تضيع معاملة في غرفة المدير العام ؟! ، أجابني : كل شيء معقول أخي .. قبل يومين ضاع كتاب الوزارة وغيره وغيره ... صفقت كفي وقلت : لهذا لم نتطور أبداً ولن تُحل مشاكلنا لأننا لا نعير أهمية لأي شيء. دخلت غرفت المدير العام لأتحدث معه في الموضوع فسبقني السكرتير بالكلام قائلاً : أستاذ الأخ ضاعت معاملته يمك فانزعج. التفت لي المدير قائلاً : أخي لا تنزعج هواي تضيع معاملات احمِد ربك ما بيها كتب من دوائر أخرى حتى ما ترجع لها مرة ثانية ، يوم لو يومين ونكملها لك.
استذكرت مقدمتي هذه وأنا أسمع أن الكابينة الوزارية الجديدة تم تأجيل التصويت عليها عشرة أيام، وكأننا أصلحنا كل شيء ولم يبقَ إلا الوزراء ...وجل ما أخشاه أن تكون عملية التأجيل هذه مرتبطة بروتين دوائرنا .... روح ...تعال باجر ..( وتيتي تيتي مثل مارحتي إجيتي) .