اعمدة طريق الشعب

لن اتنازل عن لقبي! / طه رشيد

عاد إلى بغداد بعد غربة امتدت الى اربعة عقود تنقل فيها بين عواصم مختلفة بعد ان قضى وطرا مهما من حياته في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ترك عدن التي اسس فيها فرقا فنية وغنائية عديدة والتي اجبرت تحت القصف المتنوع على ان تكون البندقية قيثارتها التي تعزف عليها دما في دوامة قتل يشترك فيه ابناء الوطن الواحد باصابع خارجية لم تعد خفية على متتبع الحدث!
ما اشبه عدن ببغداد!
اكمل في بغداد دراسته الفنية ليدخل الاذاعة والتلفزيون، في منتصف ستينيات القرن الماضي، عازفا وملحنا ومغنيا، وسرعان ما ذاع صيته، بعد حصول انفراج بسيط في الحياة السياسية، ليصبح مع منتصف السبعينيات، واحدا من رواد الاغنية السياسية. حاملا قيثارته على كتفه مثل صليب. وامام عينيه رفاقه المتوزعين في ارجاء المعمورة ، فيكتور جارا الذي استشهد في تشيلي على ايدي « الحرس القومي» للفاشي «بينوشيت» ، المغنية «ماريام ماكيبا» وهي تغني للسود وللبيض ضد العنصرية، «مارسيل خليفة» يغني للمقاومة اللبنانية تحت الحصار والنيران، الشيخ امام وزميله احمد فؤاد نجم اللذان اصبحا زبونين دائمين للسجون في مصرعلى مختلف مراحل الانظمة المصرية. كل هؤلاء يتراؤون له وهو يغني في بغداد للعمال والفلاحين، للشبيبة والطلبة، يغني للمرأة وللفكر والحزب الذي رباه وتربى فيه، حزبه الشيوعي الذي علمه ان يحترم العلماء والادباء والفنانين.
استدعي في منتصف السبعينيات، اكثر من مرة، للتحقيق في مخافر ومراكز تعذيب النظام السابق، وطرد من الاذاعة والتلفزيون ومنعت اغانيه من البث ليومنا هذا!
ولم تكلف نفسها اليوم ، لا اذاعة جمهورية العراق، ولا مديرية الشؤون الموسيقية بتكريمه باعتباره واحدا من المؤسسين لتشكيلات عديدة في الاذاعة وباعتباره احد اهم اعمدة الاغنية السياسية.
عاد قبل ايام الى بغداد ليساهم في فرح الشيوعيين واصدقائهم في حفل تأسيس حزبهم الذي اقيم مؤخرا في صالة سينما سمير أميس . ما إن ظهر على المسرح حتى وقفت القاعة فرحا وتصفيقا بظهوره، القاعة تغص بالمئات من شيب وشبيبة واطفال ونساء، وهم يطالبوه بهذه الاغنية او تلك. انهم لم ينسوا مغنيهم الذي غنى لهم ولهمومهم، لم يستطع حبس دموعه وهو يرى القاعة تردد معه كل اغانيه حتى بدا له وكانه في مقتبل عمرهّ! اعادوه الى شبابه واعادهم الى شبابهم.
لم يكن له قبل الحفلة سوى طلب واحد: لا اتنازل عن لقبي، لقبي الذي منحني اياه الحزب.
فقدمه عريف الحفل: انه الفنان الرفيق جعفر حسن.
ما اجمل اغانيك يا رفيق.