اعمدة طريق الشعب

لو ألعب .. لو أخرب الملعب! / عبد السادة البصري

عندما كنا صغاراً كان جل اهتمامنا لعبة الكرة. كنا فتياناً نزقين نحمل كل شقاوة الصغر، دائماً ننقسم الى أكثر من فريق لنمارس اللعبة بكل فرح ،وكان معنا فتيان أكبر عمراً هم المسيطرون على تقسيم الفريق واختيار اللاعبين وإعطاء التعليمات في التمرين والمسابقات مع المناطق الأخرى. كانت مناطقنا عبارة عن أحواز ــ الحوز هو الأرض اليابسة المحصورة بين نهرين ــ وكنا قبل السباقات نجري تمارين ومباريات في ما بيننا. كان الأولاد المسيطرون يتشاطرون علينا دائماً ، إذا حدثت بين اثنين منهم بعض الخلافات على اختيار اللاعبين وآلية اللعب نجد الساحة في اليوم الثاني مليئة بكسر الزجاج والأشواك، بحيث لا يمكن اللعب إلا بعد تنظيف الساحة. الأولاد الكبار كلما يتخاصمون في ما بينهم لأي سبب نصير بين مطرقة أحدهم وسندان الآخر. عانينا من هذه الخلافات كثيراً ودفعنا ثمنها دماً نتيجة الجروح والكدمات وبعض الأحيان نُحرم من اللعب لفترة.
بعدما كبرنا وصرنا في صفوف متقدمة دراسياً لم تفارقنا هذه الخلافات أبداً ، كما لم تفارقنا الجروح والكدمات الجسدية والنفسية نتيجة عدم اتفاق الكبار في ما بينهم .
دخلنا الحياة المهنية فلحقتنا هذه الأزمات التي تبتعد كلياً عن معاني الإيثار وحب التعاون بين الجميع، ففي كل مرة يظهر شخص يريد السيطرة والاستحواذ على كل شيء وتدب الخلافات بينه وبين آخرين يريدون ما لا يريد فيدفع الباقون الثمن .
أذكر عندما كنا في سجن الرضوانية عام 1992 كان المراقب يسيطر على القاعة وبيده كل شيء ، من توزيع الأكل وأماكن النوم الى وقت الذهاب الى الحمام والتدخين، ويشترط أن تكون له الحصة الكبرى في كل شيء ، وهو الآمر الناهي فإذا اختلف مع أحدنا نتيجة معارضة الآخر لسطوته وفساده نُحرم من التدخين والراحة وفي بعض الأحيان يشي بنا لننال عقاباً دون ذنب ارتكبناه.
تذكرت هذه الأحداث وأنا أسمع وأشاهد وأقرأ ما يفعله سياسيونا الكبار حينما يختلفون على المصالح والحصص، إذ تجد البلاد تدخل في سلسلة من الأزمات والمشاكل التي يدفع الشعب ثمنها كل يوم .
أتمنى أن يعي سياسيونا ما يحدث في البلاد من نزيف لم ينقطع، وخراب أكل الأخضر واليابس، وينتبهوا إلى أن الوطن للجميع والكل فيه متساوون في الحقوق والواجبات، وليس هناك أفضل من إنسان يضع الوطن والناس بين حنايا قلبه وروحه ليقدم لهم كل ما يليق بالإنسانية حقاً، لا أن يظل المثل ساريا ( لو ألعب ... لو أخرب الملعب ..!!).