اعمدة طريق الشعب

بس إنته / عريان السيد خلف

(1)
كان المكان ضاجاً بالحركة وبأصوات (الكيبلات) تجلد ظهور من يدخلون الى تلك القاعة الرهيبة. وقد أدخلوا اخوين يرتديان الدشاديش التي فقع لونها من العرق والعمل، وكان كل منهما يعتمر (عرقچين) حاله كحال الدشاديش، ويتمنطقان باحزمة جلدية اشبه بأحزمة الشرطة السيارة آنذاك. أجلسوهما على بلاط القاعة قبالة (مخزي التاريخ) ناظم كزار، ووقف خلفهما الجلادان عمار علوش وفاضل جلعوط متوثبين بانتظار صدور الامر بجلدهما.
كنت انظر الى كل ذلك من خلال فتحة المكتب الذي زحفت واحنيت رأسي تحته تاركاً لهم بقايا جسدي للركل والضرب ومحافظاً على رأسي رغم النزف الذي كان يأخذني من خلال قطع جزئي في لساني.
سأل الجلاد ناظم كزار اولهما: ما أسمك؟ اجابه: اسمي داخل. وماذا تعمل؟ اجاب اعمل في معمل الطابوق ومعي اخي كامل. هنا سأله: ومتى اصبحت شيوعياً؟ اجابه ببرود: لا ادري. سأله مرة اخرى: ومن هو مسؤولك؟ اجاب: لا أدري. ارتفعت عين الجلاد الى الجلادين الصغار. فانهالوا على ظهر داخل بالكيبلات ما جعله يتلوى ألماً، لكنهم لم يمهلوه وانهالوا عليه بإيقاع أسرع في الضرب والركل. كان عمار علوش يصرخ: ولك اعترف. فكان الرجل ينحرف الى اليمين فيضربونه معا ويصرخون: اعترف ابن الكلب. فينحرف يساراً وهم لا ينقطعون عن ضربه حتى صرخ بهم: الله واكبر انحرف يمنه ما ترضون انحرف يسره ما ترضون چا بعد وين اروح اطير لله؟ ضحك الجلادان وضحكت انا بصمت رغم ألمي، وراح داخل يتقيأ دماً وبغزارة. وعندما تفاجأ الجلادان بهذه الحالة تمالك داخل نفسه والتفت الى اخيه كامل قائلاً: خويه كامل خاف اموت، لا تعترف وتفشلنه ويه الحزب. ثم أغمض عينيه كمن يحلم!
(2)
في الموقف العام كان معنا معتقل متزوج يحب زوجته كثيراً. وكان اهله يحاولون ان يوقعوا بينهما فيمنعونها من زيارته في المواجهات، ويسمعونه عنها كلاماً لا يرضي، ما جعله مكتئباً حزيناً. وكنت عبثاً احاول ان اوضح له كذب ما يدعونه. وفي المواجهة الثانية طلبت من العلوية ام هاشم ان تزورهم في البيت وتتعرف على حال زوجته وما الذي يدور بينها وبين اهله. وبفضلها اتضحت الامور. في المواجهة التالية جلبت له العلوية رسالة من زوجته فكان كلما قرأها تساقطت دموعه بغزارة. وتحرجت ان اطلب منه الاطلاع على مضمونها، لكنه لحق بي وانا اتمشى في باحة السجن قائلاً: هاك الرسالة وشوف. ولما فتحتها كانت مليئة بالعواطف الصادقة وهي تحثه على ان يكون قوياً، وانها سوف تنتظره مهما طال الزمن. ثم ذيلت الرسالة بهذه الابيات:
بوساتنه فوگ المخده امذبلّه
وفراشك الملموم بس انته اله
شگد بيه سوالف من غنج ومغازله