اعمدة طريق الشعب

العودة الى الحاضنة المقدسة / مرتضى عبد الحميد

مثل طفل معوّق اضاع امه او مربيته في سوق الهرج، وظل يبحث عنها ويندب حظه، الى ان عثر عليها مجدداً فضمها الى صدره، يشمها ويعاود الرضاعة من اثدائها بشراهة، دون ان ينسى القسم بأغلظ الايمان على عدم اضاعتها مرة ثانية.
هكذا بدت الكتل المتنفذة وممثلوها الاشاوس في الاسابيع الاخيرة، عندما اضطروا الى التخلي لفظاً عن المحاصصة الحزبية، الطائفية والعرقية، وعلى مجاراة الشارع العراقي في الموافقة على التغيير الوزاري، او ما يسمى بحكومة التكنوقراط وعلى اساس انها من المستقلين.
الآن وبعد انفضاض الاعتصامات، سحبوا نفساً عميقاً وعادوا الى سيرتهم الاثيرة مقتدين بـ «حليمة» ورافضين فكرة التغيير جملة وتفصيلا، سواء على لسان ممثلي الكتل ذاتها، او من خلال اللجان البرلمانية التي تمثلها في شبه إجماع، وهو من الحالات النادرة التي تتفق فيها اللجان البرلمانية على شيء موحد وبدون تقاطعات تذكر.
وكالعادة غُلف رفض الكابينة الوزارية ورفض الاصلاح والتغيير بعبارات الاخلاص للشعب العراقي، والحرص على مصالحه الجذرية منها والثانوية، وبأرق الكلمات واكثرها دفئاً ونعومة، من قبيل المطالبة بالاصلاح الشامل وعدم القبول باصلاح جزئي، او تحت يافطة التوازن الوطني، التي لا تعني غير المحاصصة بأبشع صورها وتجلياتها، لتصل في المطاف الاخير الى هدفها غير المعلن، وهو ان لا شيء يمكن ان يحدث خارج الكتل السياسية ورؤوسها المتحصنين بكل قواهم خلف متاريس المحاصصة وجدرانها العالية.
ان الاصلاح والتغيير لم يعودا خياراً لأحد، وانما هما حاجة ملحة وضرورة لا تقبل التأجيل. فالتدهور الحاصل في كل مجالات الحياة والمجتمع، هو الذي دفع الناس الى الخروج من قمقم اليأس واللامبالاة الى رحاب النهوض الجماهيري المطالب بايقاف الانحدار السريع نحو الهاوية، واعادة بناء بلدهم وعمليته السياسية العرجاء، على أسس تضمن لهم العيش الكريم والقدرة على تقرير مصيرهم بانفسهم، عبر الانتقال من حالة اللادولة الى بناء دولة تلبي الحد الأدنى من حقوقهم ومصالحهم.
ولهذا فلا طريق امامهم غير التظاهر والاعتصام، وكل اشكال الحراك الجماهيري السلمية لانتزاع هذه الحقوق والمصالح. فالمتنفذون لم يصمّوا آذانهم عما تريده الجماهير وحسب، وانما ملؤوها بالطين والعجين كما يقال، وانصرفوا الى ديدنهم الذي اعتادوا عليه في النهب والسلب ووضع الاميين والجهلة في مواقع المسؤولية، دون ان يأبهوا بجمرات الغضب التي ما زالت متقدة تحت الرماد، وظناً منهم انهم ابتكروا حبلاً طويلاً من الكذب والتزييف والضحك على الذقون، يمكن ان يجنبهم مصير من عاقبهم الشعب بما يستحقون.
لا مفر امام المدنيين والديمقراطيين وعامة الشعب العراقي، إلا مواصلة طريق الشرف والنضال في ساحات التظاهر والاعتصام وتفعليها وتطويرها الى مظاهرات مليونية، تعصف بالفاسدين والفاشلين، وبقدس اقداسهم: المحاصصة الطائفية- الاثنية.