اعمدة طريق الشعب

احتضار / ياسر السالم

مرّت قوى نظام المحاصصة، بعد تفجر غضب الشارع في حراك احتجاجي سلمي، بالمراحل الخمسْ لـ"الموت والاحتضار"، التي تمثل رد فعل المريض حينما يعرف أنه مصاب بداء مميت.
هذه السلسلة الشهيرة التي حددتها إليزابيث كوبلر، الطبيبة السويسرية المتخصصة في مجال علم النفس، هي: الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب والتقبل.
بداية، أنكر المتنفذون وجود أزمة عميقة أنعكس أثرها شديداً في المجتمع، ورفضوا التعامل معها على هذا الأساس. قبل أن يتفاجؤوا بالتظاهرات التي انطلقت في أواخر تموز 2015. فتحول الإنكار غضباً وتجلى هذا في اتهامات لقوى سياسية بتحريك الشارع.
وحينما أخذ الحراك الشعبي يترسخ في ساحات الاحتجاج، حاول المتنفذون إتباع أسلوب المساومة، عبر طرح وثيقتين إصلاحيتين، إحداهما حكومية والأخرى برلمانية. لكن جرى التراجع عنهما لاحقاً، ظناً في حينها بأن زخم الحراك تراجع.
لكن الزخم أشتد مع دخول عوامل جديدة فيه. فما كان من السلطة بشقيها التنفيذي والتشريعي، إلا أن اعترفت أخيراً، بالحراك الاحتجاجي ممارسة ومطالباً.. وهو ما سجل مكسباً مهماً للديمقراطية في العراق.
ومن ثم أقرت القوى المتنفذة بمرض النظام، وصار الجميع مع بعض الاستثناءات- يتحدثون عن ضرورة الخلاص من المحاصصة، وبضمنهم من يعتبرونها ضماناً لوحدة البلاد.
حتى الولايات المتحدة الأمريكية، الراعي الرسمي لصيغة الحكم المعتمدة، أنكرت يوم الأربعاء الماضي، وعلى لسان سفيرها في بغداد مسؤوليتها عن نظام المحاصصة !
إذاً فالنهج القائم على المحاصصة، والذي حكم البلد طيلة السنوات الماضية.. يحتضر، ولم يعد بالإمكان رجوعه إلى الحالة التي كان عليها.
ولكن الانتفاضة الشرعية على النهج المحاصصاتي، لم تكتمل بعد. فهذا النهج ما زال يتنفس، وإن كان بصعوبة، وثمة من يتمسك به حتى الرمق الأخير، لحماية نفسه من الحساب على كل الخراب الماثل.. وهؤلاء ليسوا غالبية، بل هم أقلية في مواجهة شعب غاضب.
إن مهمة الحراك الاحتجاجي وناشطيه، وهو يتواصل حتى تحقيق أهدافه، مهمة مضاعفة: الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية المتحققة، وهي كثيرة.. ومواصلة شق طريق المستقبل.
دون تفاؤل كاذب، ودون تشاؤم يشل الإرادة نقول: لم يسقط نظام المحاصصة بعد، والأرجح أنه لن يسقط سريعاً. لكن التسوية السياسية التي يقوم عليها هذا النظام تحتضر.. ولا ينتظرها سوى الانهيار الأكيد.