اعمدة طريق الشعب

أي أصلاحٍ في القِطاع الصحي .. نريد؟ / د. سلام يوسف

معاناة القَطَّاع الصحي بعناوينه البرامجية والخدمية والإدارية والتي تندرج جميعها تحت عنوان (السياسة الصحية للبلد)، هي جزء لا يتجزأ من معاناة كل قِطاعات المجتمع، بل هي عيّنة من ذلك الخليط السيئ، الذي يعيشه العراق ما قبل وما بعد 2003.
فالقطاع الصحي قبل 2003 وجراء عسكرته وتبعيثه، امتاز بتدني الخدمات الصحية جراء نقص حاد في عدد المؤسسات الصحية ونقص في المستلزمات الطبية وفي الكوادر مع سوء الإدارة وغياب الرقابة الصحية ناهيك عن تفشي الكثير من الأمراض الانتقالية وغير الانتقالية ارتباطاً بواقع بيئي مريض أصلاً.
وجاء المتحاصصون الإثنيون الطائفيون ليزيدوا الطين بلّة، وفعلاً زادوها! ونحا الخط البياني لهذا الواقع منحى خطرا تمثل في التوجه وبخطى حثيثة نحو فرض رسوم (غير منطقية وغير مبررة) في كل مفاصل ومفردات خدمات القطاع الصحي، أرضاءً لإجراءات التقشف التي تتبعها الحكومة من جراء فسادها اللعين، وكان بإمكان وزارة الصحة أن تتخذ إجراءات أخرى غير تلك التي اتخذتها والتي سببت أزمة حقيقية في معيشة الغالبية من أبناء الشعب، فالصحة تمثّل ثلث مشاكلهم الفعلية.
ولمّا كان القطاع الصحي يقع ضمن حدود منظومة الإصلاح التي تنادي بها الجماهير، لأنها في في مقدمة قائمة تقديم الخدمات الأفضل، لذا فهذا القطاع يحتاج الى جهود أصلاحية جبارة، تبدأ بإلغاء الإجراءات التعسفية بحق لقمة عيش المواطن، وإعادة الروح الى المادة الدستورية التي تنص على مسؤولية الحكومة على تأمين الصحة للمواطنين وليس فرض الضرائب عليهم، ثم ولأجل إثبات حسن النيّة من قبل الجهات الصحية البرلمانية والحكومية، في الإصلاح، لابد من تشكيل هيأة مستشارين أكفاء جنسيتهم المواطنة وجواز سفرهم الإخلاص والنزاهة، تعمل على إعادة هيكلة وزارة الصحة وتخليصها من الفاسدين والمفسدين ومحاسبتهم وتقديمهم الى لجنة النزاهة (ومعاقبة من ثبت تلوث ضميره ونزاهته وأمانته وفق القانون النافذ)، واختيار الكفاءات النزيهة بعيداً عن المحاصصة، إعداد خطط آنية ومستقبلية قابلة للتطبيق للارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدمها المؤسسات الصحية المختلفة، تلك الخدمات لا يمكن لها أن تكون ما لم يتم التخطيط باتجاه إنشاء مجموعة من المستشفيات العامة والتخصصية والطوارئ، إعادة النظر في التوزيع الجغرافي للمؤسسات الصحية وكوادرها، إعادة تأهيل وتشغيل معامل القطاع العام لإنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية مع إفساح المجال أمام القطاع المختلط لأداء دوره في التنمية، العمل الجاد على تدريب وتعليم الكوادر الوسطية الطبية والصحية والتقنية، الاستفادة من العمالة الوطنية ومنع الاتجار بالعمالة الأجنبية حماية للعملة الصعبة من جانب وكمساهمة في توفير فرص عمل للأيدي العاملة العراقية وفي كافة المجالات من جانبٍ آخر، القيام بحملة توعية كبرى وعلى كافة المستويات وبمشاركة منظمات المجتمع المدني لتنظيف المجتمع من الأفكار البالية والمغلوطة علمياً وتنوير الناس ضد الشعوذة والدجل الذي يمارسه ممتهنوها، وهذا يتطلب التنسيق مع جهات تربوية وثقافية وإعلامية، ولابد من إعادة النظر في وظيفة «المفتش العام» التي أصبحت حكومة في داخل حكومة! وكذلك إعادة النظر في قانون تقاعد الكوادر الطبية والصحية للإنصاف والعدالة مع أقرانهم العاملين في الوزارات الأخرى، ناهيك عن إفساح المجال أمام المخلصين والكفوئين في إدارة دفة نقابات ذوي المهن الطبية والصحية بعيداً عن المحاصصة والتحزب، تفعيل دور الرقابة الصحية بصورته الايجابية، منع مظاهر الطائفية في المؤسسات الحكومية الصحية، اعتماد الشفافية في طبيعة العلاقة بين المواطن ووزارة الصحة والبيئة.
إن الإجراءات الإصلاحية هذه لو تمت، فستعاد الهيبة للخدمات الطبية العراقية وسيستغني المواطنون عن السفر إلى خارج العراق بحثاً عن الأفضل والأجود والأحسن!