اعمدة طريق الشعب

اصلاح .. واصلاح / محمد عبد الرحمن

حقا .. الاصلاح ليس الفوضـى ، ولا هو الاعتداء على اي مواطن ، مسؤولا كان او غير مسؤول ، ولا تخريب الممتلكات العامة والخاصة . وانطلاقا من هذا يأتي عدم القبول بما حصل للنواب او غيرهم على يد بعض المتظاهرين الذين دخلوا السبت من الاسبوع الماضي مجلس النواب. المجلس الذي لم يستطع اساسا ان يكمل نصابه، كي يفي بوعده سوية مع الحكومة باكمال كابينة مجلس الوزراء، التي انخفض تعدادها الآن ، بفعل التوزير غير المكتمل والاستقالات والتعليق. فهل سيتمكن مجلس الوزراء من عقد جلسته ، كما هو معلن، اليوم ؟! .
المتظاهرون هنا ، وهو ما يجب ان يكون واضحا ولا يُخفى وراء دخان التطبيل والافتراء والتهويل ، ليسوا مسؤولين عن تعليق جلسات البرلمان. فالمجلس اصلا في اجازة وقد رفع جلساته الى العاشر من هذا الشهر ، وهو منقسم على نفسه بفعل تكتل النواب المعتصمين ، وتشكيلهم الان كتلة خاصة بهم خارج كتلهم الاصلية كما يعلنون. ووراء ذلك ايضا وفي الاساس تدافع الكتل على الامتيازات ، والعذر جاهز طبعا وهو «مصلحة» الطائفة او المذهب او المكون او القومية ، وكأن المتظاهرين ليسوا من ابناء هذه المكونات ! .
بكلام اوضح ، وذلك ما يريد المتنفذون اخفاءه ، ان الصراعات على المناصب الوزارية ، وتشبث بعض الكتل بوزرائها ، وخشيتها من المضي بالاصلاح الى خطوات « اقمش « .. ان هذا وغيره لعب الدور الفاعل في منع البرلمان من اداء مهمامه ، ومن تشكيل الكابينة الوزارية على وفق ما طرحه رئيس الوزراء ، مع ما عليها من ملاحظات كثيرة.
ان ما نراه من همة متزايدة ، وحرص فاق التصور وعبر الحدود على الدولة وهيبتها ، وعلى مجلس النواب ، وممتلكات الدولة ، وعلى « القنفة البيضاء « لا يخفي سوى الاسباب الحقيقية لما آلت اليه الاوضاع . وتلك «الهمة» ما هي الا دفاع المتنفذين عن مصالحهم وقلقهم عليها من استحقاقات قادمة طالب ويطالب بها الملايين من ابناء الشعب ، قبل دخول المنطقة الخضراء وبعدها . فمطالب المتظاهرين ظلت كما هي ، فضلا عن ان القائمة آخذة بالاتساع ارتباطا بتدهور الاوضاع، وبدعوات البعض الخائف والمرتعد من صوت الشعب الى استخدام العنف واظهار القسوة ، سيرا على تقاليد الحكومة السابقة في قمعها وتصديها للمتظاهرين والمعتصمين ، والتي ركزت على ذلك تاركة الابواب مشرعة امام داعش لتتوغل وتسيطر على ثلت اراضي بلدنا .. والاتهام ما زال مسجلا ضد مجهول حتى الان !
لقد تعقدت الامور وتعثرت خطوات الاصلاح بسبب عوامل عدة ، والاساس في ذلك هو السلطتان التشريعية والتنفيذية ، ورئيس الوزراء في مقدمتها ، ومعهم الكتل النافذة والفاسدون الذين يرفضون الاصلاح ويقاومونه . ذلك انه اذا سارت الامور كما يريد الاصلاحيون الحقيقيون ، سيكشف المستور ويصحح مسار الحكم ، وعندها ستهتز عروش وكروش ، وتكشف ملفات الفساد ومصائر المليارات التي سلبت ونهبت ، وستقطع مصادر الثراء غير القانوني. ومن هنا الرفض والمقاومة والتهديد والوعيد ، وتحشيد الفصائل المسلحة الجاهزة اصلا ، واللجوء الى تضخيم هفوات وثغرات المعتصمين والمتظاهرين ، وكأن الامر يخص طلاب صف في مدرسة ابتدائية وليس مئات الآلاف من المحتجين المحرومين الجائعين والمهمشين الغاضبين ، والصاق التهم بهم . وهذا كله وغيره مما يمكن للمتنفذين الفاسدين الاقدام عليه ، يهدف الى عرقلة خطوات الاصلاح او في احسن الاحوال الاكتفاء باصلاحات ترقيعية لا تسمن ولاتغني من جوع . هذا ما يريده المتنفذون ، فالرفض للاصلاح هو سيد موقفهم مهما غلفوا ذلك بعبارات منمقة عن المتظاهرين « المنفلتين « او «المنفذين « لمخططات اجنبية « تريد «هدم هيبة الدولة « او الاساءة الى «قنفة الدولة» لا فرق !.
هذا ما يريده المتنفذون ويسعون اليه ، وهو ليس بغريب او بمفاجيء. فحركة الاصلاح في كل زمان ومكان لها اعداؤها وهناك المتضررون منها. اما الاصلاحيون الحقيقيون فما عليهم الا زيادة تلاحم صفوفهم وتوسيعها وتنسيق مواقفهم ، والا اليقظة والوعي والحذر والتمعن الجيد في كل خطوة يقدمون عليها. فمعركة الاصلاح ما زالت في بدايتها ، ايا من الاشكال اتخذت ، والمهم الوصول بها الى نبذ اس البلايا: المحاصصة الطائفية – الاثنية المقيتة. وعندها ستفتح فضاءات اخرى رحبة امام شعبنا وبلدنا .