اعمدة طريق الشعب

النُزُول مِن القَنَفةْ! / يوسف أبو الفوز

في بيتنا، غطت أخبار الحدث الاجرامي المأساوي في مدينة السماوة، الذي أدى الى استشهاد 36 مواطنا ، واصابة 86 اثر انفجار مفخختين ، على بهجة عيد الاول من أيار ، عيد العمال العالمي . اتصلت هاتفيا مع أصدقاء ومعارف من ابناء المدينة، وقدمت التعازي، رغم أني لا اعرف احداً من الشهداء او المتضررين. كان حجم المأساة يثير الغيظ اكثر من الحزن ،إذ ترى ان السياسيين مشغولون بهيبة الدولة، التي اصبحت عندهم مجرد «قنفة» ـ أريكة جلوس ـ تحركت من مكانها وتضررت بشكل ما، عندما دخل المتظاهرون الى المنطقة الخضراء ومجلس النواب، بينما المواطن يهان كل يوم وباكثر من صورة. ففقط عصابات «داعش» الارهابية، مستثمرة الازمات السياسية في البلاد المتوالية نتيجة صراع المتنفذين على مغانم السلطة وثرواتها، حتى أحتلت الموصل ومناطق اخرى، تسببت في تحويل اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مواطن عراقي الى نازحين ومهجرين ، يهانون كل يوم، في ظروف معيشية وانسانية قاسية، ووسط خراب مدن وبنى تحتية ومرافق اقتصادية.
في زيارتنا الدورية الى بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة ، لاحظ الجميع حزني وغضبي . قال أَبُو جَلِيل : العراق كله مستباح من قبل مجرمي داعش وماعش ، وللاسف تجد سياسيين يفكرون بمقاضاة وملاحقة المتظاهرين الذين دخلوا مجلس النواب !
قال جَلِيل ان هيبة الشعب والوطن ستستعاد اذا استجابت النخب السياسية والكتل المتنفذة لمطالب الاصلاح الشامل في الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية- الاثنية، والكف عن الحديث بأصوات عالية عن الاصلاح وفي نفس الوقت اعتماد المزيد من اجراءات التسويف والمماطلة وعدم الالتزام بالوعود .
قالت سُكينة : أولا ليكف بعض اقطاب وحيتان الفساد عن محاولة استغفال الشعب والحديث عن الاصلاح وثم ...
سعل أَبُو سُكينة، اعلانا عن رغبته في الحديث ، فالتفت اليه الجميع ، فقال : تقصدين يا أبنتي .. نسألهم مثلا ان ينزلوا عن «القنفة» و ... !
وكان عليّ تذكير الجميع بأن أَبُو سُكينة يستعيد هنا حكاية قديمة ، سبق وان سمعها مني، من ايام كنت طالبا في الجامعة، وحدث ان التقينا في جلسة خاصة احد المطربين المعروفين ، واستهوت احد الزملاء، الذي كان يعتقد ان لديه صوتا صالحا للغناء، أن يغني بحضور المطرب الضيف. وصار الزميل يغني بصوت عال، بطبقة أعلى من قدراته الصوتية، فشطح صوته وأختنق، فقال له المطرب الضيف: «أنزل شوية» ! وكان يقصد أخفض طبقة صوتك، فما كان من هذا الزميل الا وان ترك القنفة ونزل جلس على الارض وهو يواصل الغناء منتشيا !