اعمدة طريق الشعب

في ذكرى عيدهم الذي مر .. / عبد السادة البصري

منذ طفولتي وأنا أسمع البواخر تُطلق صفاراتها ابتهاجاً بعيد العمال العالمي، فيما تنتشر الزينة والأعلام واللافتات مهللةً ومباركة للعمال بيومهم. لكني لم أجد عاملاً واحداً سعيداً في حياته وعمله.
منذ طفولتي وأنا أسمع أبي ــ عامل الميناء ــ يتذمر ويشكو من الغبن والحيف الذي يلاقونه على أيدي المسؤولين، ويتساءل: متى تنصفنا الحكومة وتمنحنا حقوقنا التي شرعتها كل دساتير الكون بعد صراعات للعمال هنا وهناك؟ متى نشعر نحن أبناء الطبقة العاملة أن هناك مَن يتحسس معاناتنا والجحود الذي نلاقيه من جانب المسؤولين في كل زمان؟
أبي العامل المينائي الذي رحل وغصة تخنقه، وقلبه ينزف حرقةً وأسى على سنواتٍ ضاعت وهو يكد ويكدح لأجل توفير لقمة العيش، لم يعرف أن النظام الفاشي أكمل فيما بعد استخفافه بالعمال ونضالهم ورمى كل تعبهم وتضحياتهم وراء ظهره، حين أعلن إلغاء قانون العمل واصدر قراراً بتحويل العمال إلى موظفين الأمر الذي زاد الطين بلة.
ظل العمال يعانون من القوانين الجائرة التي تحرمهم من أدنى سبل العيش وأخذ حقوقهم كاملة .. ومازالوا للآن في محنة رغم سقوط النظام الفاشي وذهابه إلى غير رجعة. حيث أنهم لحد هذه اللحظة يعانون من القرارات الجائرة والمجحفة التي أقرها النظام المقبور، إضافة إلى الأزمات المالية والأمنية التي زادت من معاناتهم شيئاً فشيئاً. فلا تعيينات ولا حقوق وأجور يومية في ازدياد وأغلب المصانع والشركات متوقفة عن العمل ونسبة البطالة في ازدياد يوماً بعد يوم!
عيد الأول من أيار الذي مر قبل أيام ، واحتفلنا به، علينا أن نقف عنده ونفكر طويلاً في كيف نعيد إلى العامل هيبته ومكانته من خلال منحه حقوقه كاملة وأكثر .. وتشريع قوانين تهتم بالعمال وتمنحهم حقوقهم من مخصصات وعلاج صحي وسكن لائق واحترام طلباتهم والأخذ بيدهم نحو تحقيق كل ما يصبون إليه.. كذلك منح الاتحادات والنقابات العمالية فرصاً أكبر وأكثر للدفاع عنهم وتأكيد أحقيتهم في التخصيصات والتعيينات وغيرها ، لا أن نترك الحبل على الغارب متناسين ما حصل لهم بعد تحويلهم الى موظفين وإهدار حقوقهم وفق قوانين جائرة!
علينا أن نجعل من عيد العمال عيداً حقيقياً لهم يتباهون به مثل كل عمال العالم الذين منحوا الحقوق. فعمالنا منذ سنين وهم يعانون الغبن والحيف، الذي ما علينا إلا رفعه وتعويضهم عن كل شظف وحرمان وجور كانوا قد عانوه زماناً ، وما زالوا يعانونه للآن .. ولأجل أن نقول لهم : عيدكم مبارك أيها العمال، يا مَن تبنون الوطن بسواعدكم وتضحياتكم دائماً..