اعمدة طريق الشعب

الشعب ينزف دما, وحكامه مشغولون بمصالحهم الذاتية! / مرتضى عبد الحميد

الضمير بئر للفضيلة, كما عبر عنه الأقدمون, يمنح منه صاحبه ما شاء من التسامح وحب الآخرين والصدق, وغيرها من الصفات الجميلة, لكنهم اشترطوا أن يكون حيا معافى, محبا للخير بالسليقة, متعففا عن الخوض في وحل الأنا, وقادرا على العطاء دون انتظار جزاء أو شكور.
أما من شيّع ضميره إلى مثواه الأخير, أو استطاع أن يروضه بالمال أو السلطة, وحوله إلى شيخ يتكئ على عصاه, يهش بها, ولا يشعر بنبض الحياة الا لٌماما, فلن يكون حصاده الا الشر وإلحاق الأذى بالعباد والبلاد.
في أوقات الأزمات والكوارث, كما في العراق الان, تميل الكفة بشكل واضح وجلي إلى النوع الثاني, وقد تأخذ صاحبه العزة في الاثم, فيعمل على دفنه تحت ركام من اللا أبالية والإهمال, والاستهانة بالإنسان أثمن رأس مال في الوجود, بحيث لا تهزه دماء الأبرياء, ولا أشلاء الضحايا حتى لو كانوا من أبناء جلدته الأقربين في الطائفة, أو العشيرة أو القومية! التي أضحت عنوانا لعدد كبير من سياسيينا ومسؤولينا, بعد ان داسوا الهوية الوطنية بأحذيتهم المتسخة بغبار الهويات الفرعية, وأداروا ظهورهم لكل ما ينفع الشعب وفقراءه ومظلوميه.
ان النزيف اليومي لكل العراقيين, على اختلاف أديانهم وطوائفهم, وقومياتهم ومشاربهم الفكرية والسياسية, وأخيره وليس آخره ما جرى في عريبة والكاظمية وحي العدل, حيث استشهد (58) انسانا بريئا, وأصيب نحو (150) آخرين, في سلسة تفجيرات إرهابية, يضع العشرات من علامات الاستفهام, وخاصة على توقيتها, والهدف منها, وهوية القائمين بها, في وقت تسطر فيه قواتنا المسلحة الباسلة ملاحم بطولية, وتحقق الانتصار تلو الانتصار على (داعش) وسائر الإرهابيين, الأمر الذي يفترض فيه أن ينعكس ايجابيا على الأمن الداخلي أيضا.
وأول علامات الاستفهام هذه تلتصق دون فكاك بأداء النخبة السياسية الحاكمة, التي تركت وظيفتها الأساسية في الحفاظ على أمن واستقرار البلد, وتوفير الخدمات لشعبه, وانشغلت بدلاً من ذلك بصراعاتها العبثية, وحرصها اللامتناهي على إبقاء سرطان الطائفية والمحاصصة ينهش جسد العملية السياسية, وحياة المجتمع برمتها, لأنهم يعلمون جيدا أن القضاء على هذا الداء الخطير, وهو ما يطالب به الشعب العراقي في اعتصاماته ومظاهراته المليونية, سيجعل مصيرهم في مهب الريح, وسوف لن يجدوا لهم مكانا يمارسون فيه هواياتهم المفضلة في الضحك على ذقون الناس والهزؤ بهم.
لا بوركت جهودكم أيها المتنفذون, فقد أوصلتم العراق ومؤسساته الرسمية إلى حالة الشلل والعوق الكلي, وجعلتم العديد من قليلي الوعي, ومن إصابتهم جرثومة اليأس والإحباط, جراء أدائكم ومواقفكم البائسة, يترحمون على أقذر وأشرس دكتاتور عرفه العراق والعالم(صدام حسين) مستعيدين حكاية (سارق الأكفان) الشهيرة.
لا سبيل لإجبار هؤلاء المتحاصصين وانتزاع حقوق الشعب من براثنهم، الا بزيادة الضغط الجماهيري عليهم, والابتعاد عن كل ما يوفر الذريعة لهم, لاستمرارهم في غيهم.