اعمدة طريق الشعب

"محاججة" مع رئيس الوزراء / ياسر السالم

أصدر رئيس الوزراء د.حيدر العبادي، منذ أحداث تظاهرات يوم الجمعة الماضية وما رافقها من عنف شرس ضد المحتجين السلميين، أكثر من بيان كان آخرها ما صدر عن مكتبه مساء الأحد.
والمفارقة الواضحة لمن يقرأ البيانات، أن السيد العبادي لم يوجه اعتذاراً ولا أعرب على الأقل عن أسفه لمقتل متظاهرين أثنين شُيّعوا يوم السبت أمام وسائل الإعلام، ولجرح العشرات من الذين وثِقت إصاباتهم مقاطع فيديو متوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي وبثتها فضائيات عديدة، فضلاً عن معاينات شهود عيان.
وحتى البيان الأخير الذي صدر مساء الأحد عن المتحدث باسم رئيس الوزراء، ظل يواصل ترديد عبارات الاتهام للمتظاهرين السلميين، التي صارت مملة ومستهلكة، من قبيل: مندسين، بعثيين، غوغاء...الخ.
إن استخدام عبارات إنشائية تحاول التستر على ما جرى من قمع وحشي للمحتجين، يجبرنا على محاججة البيان المذكور. ذلك أن رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة، وبالتالي هو المسؤول الأول عن كل الأوامر التي تنفذها القوات المكلفة بحماية التظاهرات والمنطقة الخضراء.
أن بيان مكتب رئيس الوزراء يُقر بـ»حق التظاهر السلمي المكفول وفقاً للدستور»، لكنه «يشدد على ضرورة الالتزام بالمناطق المحددة للتظاهر السلمي». في حين لا يوجد أي نص دستوري أو قانوني يحدد بالضبط ما هي الأماكن التي يجب على المواطنين الاحتجاج فيها. وإن وجد قرار حكومي بتحديد أماكن التظاهرات، فهو قرارٌ غير دستوري وليس له سند قانوني ويعتبر مسبقاً في حكم الباطل.
كذلك يدين البيان «الاعتداءات على أفراد الأجهزة الأمنية الذين يؤدون واجبهم الوطني». وهذا منطق سليم، ولكن حتى الآن لم يجر توثيق أي «اعتداء» كهذا على رجال الأمن من قبل متظاهرين، فيديوياً، رغم أن المنطقة الخضراء ومحيطها مليئان بكاميرات المراقبة بعكس مناطق بغداد الأخرى التي يستهدفها الإرهاب يومياً !
في المقابل، ثبت بالدليل أن الصورة التي نشرتها قناة العراقية الرسمية عن جنود مصابين يرقدون في مستشفى، أنها صورة قديمة لجنود أصيبوا في تفجير إرهابي بمنطقة اليوسفية.
وحتى لو صح أن بعض أفراد القوات الأمنية أصيبوا فعلاً، وهو أمر مؤسف حقاً، فأن سبب ذلك هو استخدام السلطات للأسلحة الحية والمطاطية والغاز المسيل للدموع بشكل عشوائي وكثيف.
ويقول البيان «أن نتائج التحقيقات الأولية تدلل على عدم وجود إطلاق نار مباشر». في هذا الشأن كان الأولى برئيس الوزراء أن لا يتحدث عن نتائج التحقيقات دون استكمالها تماماً، وعرض نتائجها بشفافية على الرأي العام والقضاء، على أن تكون هذه التحقيقات مستوفية لكافة شروط الموضوعية. ونحن لم نسمع حتى الآن أن الجهة التي تقوم بالتحقيق - وهي غير معلومة - قامت بالاستماع إلى شهادات متظاهرين كانوا في مسرح الأحداث!
ثم ماذا تعني عبارة «لم يثبت إطلاق نار مباشر»؟! لا تعني سوى أمرين: الأول أن رئيس الوزراء يعترف صراحة بوجود إطلاق نار حي. وثانياً سقوط شهداء بنيران القوات الأمنية وأن لم تكن غير مباشرة.
فلماذا لا يجري الحديث عن محاسبة المسؤولين في القوات الأمنية المتورطين في إصدار الأوامر، أو على الأقل مساءلتهم.. بدل تبرئتهم تماماً؟!
ويفيد البيان بـ: «عدم وجود موقوفين من التظاهرة الأخيرة، وقد تم التحقيق مع ثلاثة منهم وأخلي سبيلهم». فهل يعلم السيد العبادي أن سيطرات أمنية منتشرة في بغداد منذ يوم الجمعة، تفتش عن «متظاهرين» بموجب قوائم لديها لإعتقالهم؟!
كلمة أخيرة للسيد رئيس الوزراء..
لسنا متظاهرين «داعمين للإصلاح» كما يقول بيانكم.. نحن متظاهرين سلميين نطالب بالإصلاح.. ومتى ما رأينا خطوات إصلاحية جدية من قبلكم فسنكون داعمين لها دون تردد.
وليكن في علمكم، أن تظاهراتنا داعمة لقواتنا الأمنية الباسلة ومقاتلي الحشد والعشائر والبيشمركة الأبطال وهم يخوضون حرباً مشرفة ضد قوى الإرهاب.. فهم يقاتلون لحماية عائلاتنا، ونحن نتظاهر ضد الفاسدين الذي ظلموا هؤلاء الأبطال وعائلاتهم وأكلوا حقوقنا وحقوقهم.