اعمدة طريق الشعب

طبول الطائفية / ياسر السالم

في العودة إلى ذاكرة الأحداث، كانت الفلوجة أولى المدن التي سقطت بيد "المسلحين" في الأيام الأولى من العام 2014 عقب أزمة التظاهرات في مناطق شمالي غرب العراق.
وقبلها بنحو شهر، انطلقت عمليات عسكرية للجيش العراقي في صحراء الانبار سميت باسم الفريق الركن محمد الكروي، ونُفذت ثأراً لاستشهاده أثناء هجوم قواته على وكر لإرهابيين.
هذه الأحداث وغيرها كانت إشارات واضحة إلى أن الأزمة السياسية الناشبة بين الفرقاء كانت مرشحة إلى الانفلات من أيدي اللاعبين بها. غير أن أحداً من قادة الحكم، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق، لم يكن يريد أن يسمع أو يرى أبعد من أنفه.
كانت طبول الخطابات الطائفية تقرع يومياً من قبل فريقين كانا يُسخنان الأجواء استعداداً لخوص الانتخابات البرلمانية في النصف الأول من العام 2014.
وسَخُنت الأجواء ووصلت حد الغليان؛ حد تعمق الانقسام الطائفي في الشارع. وحينما أنصرف اللاعبون السياسيون إلى لعبتهم المفضلة: تقاسم السلطة بعد الانتخابات.. جاء تنظيم داعش ليستثمر شرارة الغضب ويوقد ناره في ثلث مساحة البلاد.
هذا هو أصل الحكاية المُرّة التي ما زلنا نعيش تداعياتها، وأي حديث عن مجيء داعش من خلف الحدود العراقية- السورية، نكتة صاحبها متورط ويريد الخلاص !
وجود داعش في العراق، هو ثمرة لنهج المتنفذين، حيث يرتفع منسوب المشاحنات الطائفية، والاستقطاب المذهبي والعرقي الذي يكرس الانقسام الداخلي ويدفع إلى مزيدٍ من العنف الأعمى. وبالتالي تديم حواضن وجيوب للإرهاب وجوده وتغذيه.
ما هو الدرس؟! لا أحد يريد أن يتعلم.
فقد رافقت انطلاق عملية "كسر الإرهاب" لتحرير الفلوجة سموم طائفية بثها قادة الأزمات، ليدللوا على وجودهم المزمن في جسد السلطة، بعدما ثارت الناس على سياساتهم الخرقاء.
فريقٌ يريد الثأر لعقده الطائفية، وآخر يدافع عن مصالحه المأزومة.. وهي طائفية أيضاً.
وكأن معركة تحرير الفلوجة؛ هذه المعركة التي إن جرت إدارتها بالشكل السليم عبر دحر الإرهاب بأقل التكاليف وحماية المدنيين العالقين في المدينة، فأنها ستعني الكثير لمستقبل العراق.. أقول، وكأن معركة الفلوجة أعطتهم متنفساً ومهرباً إلى الأمام من مواجهة استحقاقات سياسية تفرضها إرادة العراقيين المحتجين.
في فترة 2008 – 2009 تخلصنا من تنظيم القاعدة وسيطرته على مناطق شاسعة من العراق، لكننا لم ننته من السياسيات الطائفية وخطابات قادتها، فعادت إلينا القاعدة مجدداً بوجهها الأبشع: داعش.
وها نحن نستحث الخطى للخلاص من داعش، ولكن دون الاستفادة من الدرس: الخلاص من الطائفية خطاباً وممارسة.
فهل نتخلص ممن أضاعوا العديد من الفرص طيلة 13 عاماً مضت؟!