اعمدة طريق الشعب

فلّوجة.. دائماً / قيس قاسم العجرش

بعد مائة عام من اليوم، ستكون الفلوجة موجودة في مكانها الحالي، وقربها يلتف الفرات بنفس الالتفاف الذي يفعله الآن. وسيكون فيها عدد من السكان اكثر بالـتأكيد من سكّانها الحاليين، المهجّرين أو الذين وقعوا في أسر عصابة داعش.
وسيتذكر الناس في ذلك الوقت المستقبلي، ان سكّان الفلوجة آنذاك هم أبناء وأحفاد أولئك الذين شهدوا أقسى أيام المدينة.
سيكون هناك خط للمرور السريع وعمارات حديثة ومنشآت تتناسب مع العصر القادم. لن يبقى اي منزل في المدينة محافظاً على خرابه الآني، الخراب الذي أراد الغزاة أن يكون هويّة لها بدلاً عن اسمها.
الشيء الأكيد، هو أن الفلوجة لن ترحل عن مكانها، ولن ترتدي هويّة أخرى غير هويتها العراقية، بالرغم من أن كل شيء سيتغير في مظهرها. إذن، ما لذي سيبقى حينها؟.
ستبقى القصّة نفسها. مثلما بقيت قصص احتلال المدن في التاريخ، وبقيت سيرة المحتلين وفظاعاتهم تروى، جيلاً بعد آخر.
ستبقى قصّة الوحشية التي نشأت ذات غفلة بين أزقة هذه المدينة فاختطفت أبناءها وبناتها وأغوَت البعض منهم. كما ستبقى قصّة المواقف، تكررها على مسامعنا أوراق البحث ووثائق التاريخ، وما أكثر الوثائق المسافرة من هذا الزمن!
وسيكون ثمة في مكان بارز من المدينة جدار أنيق، يحمل اسماء العشرات أو المئات(لا أتمنى أن يكونوا بالمئات) من الذين قدموا من كل مكان من العراق من أجل تحرير المدينة.
في الخلاصة، من الصعب تغيير حقائق الجغرافيا في مكان قديم جداً مثل العراق. الفرات لن يغير مجراه، وبغداد لن تغير مكانها، والفلوجة لن تخلو من السكان. لا شيء سيمحوه التاريخ، انه يسجل فقط، صفحات بيض وأخر سود.
ولا معنى لبغداد الآمنة مالم تتأمن كل حواشيها، والفلوجة لن تغادر هذه الحاشية أبداً.
أما كل ما يقوله ويصوّره وينتحله إعلام الغش والتلفيق، فلن يحفظ إلا بوصفه دليلاً على حجم الزيف الذي أراد لهذه المدينة أن تشذ عن تاريخها ومكانها الأبدي.