اعمدة طريق الشعب

عطارو هذا الزمن! / طه رشيد

يمكن لك أن تتلاعب بكل شيء، إلا بالزمن، اذ انه الظاهرة الكونية المتفردة التي تترك بصماتها على ما تمر عليه سواء كان إنسانا ام حيوانا او حجرا.
وحين قالت العرب مثلها شائع الصيت " لا يصلح العطار ما أفسد الدهر " لم تنطلق من فراغ! ولو قيل المثل بصيغة الجمع " لا يصلح العطارون.." لكان أكثر بلاغة وأكثر حكمة، وتطبيقه سيكون أسهل على الحالة العراقية الراهنة!
فالفساد، الذي ينخر جسد الوطن حكومة ومجتمعا، يستعصي اصلاحه على خيرة المهرة من العطارين . خاصة اذا علمنا أن الفساد استشرى حتى وصل للعطار نفسه وهنا الطامة الكبرى..! فما سيضعه هذا العطار من مساحيق ومواد تجميل لأجل تحسين صورة هذا الفاسد او ذاك ،ليلا او في المكاتب المعتمة، ستكشف عن تجاعيده وتلابيبه شمس العراق الساطعة، والتي ستحرق كل ألاعيب العطار!
عطارو الدولة العراقية اليوم يحاولون أن يركبوا الموجة الصاخبة للإصلاح! وجلهم اذا لم نقل جميعهم ينتقدون ويصرخون في كل وسائل الاتصال ضد الفساد والطائفية والمحاصصة. وهم في حقيقتهم، وليس غيرهم، من تحاصص ومن فسد ومن أفسد. لكن شمس العراق لا ترحم! وباستطاعتها أن تكشف الصالح من الطالح. الصياح الاجوف لم يعد ينطلي على المواطن لأنه "امفتح بالتيزاب " وليس باللبن كما يقول المثل المتداول بين الناس.
العطارون، جديدهم وقديمهم، يحاولون جهد الامكان ان يضعوا العصي في دولاب الاصلاح عبر مناورات شتى، مرة باسم المعارضة، ومرة باسم الوطن والحرص على ان لا يتهدم البيت الواحد!
واما التباطؤ في إجراء الإصلاحات فهو النتيجة التي حصدها العطارون لجهودهم من اجل التستر على الوجه القبيح للفاسدين.
حاول العطارون استيراد مواد للتجميل والتزويق والمكياج والزينة بشحنة كبيرة من دول مجاورة وقريبة وأخرى بعيدة.
كان الجو ربيعا والنسيم عليلا إلا ان تأخر وصول الشحنة حتى أشهر الصيف، خرب عليهم الصفقة لأن شمس العراق الملتهبة واللاهبة خلطت حابلهم بنابلهم وامتزجت المواد ولم تعد تصلح حتى لتلميع الاحذية فكيف بالوجوه!