اعمدة طريق الشعب

«غوبلز» يوزع الجوائز على المتفوقين! / مرتضى عبد الحميد

«غوبلز» لمن لا يعرفه، هو بطل العالم في الكذب للوزن الثقيل. كان وزيرا لخارجية ألمانيا النازية أبّان الحرب العالمية الثانية، وكان يعد الذراع الأيمن لـ»هتلر». أشتهر على نطاق واسع في أرجاء المعمورة، وظلت شهرته ترددها أصداء الزمن إلى يومنا هذا، ليس بسبب ذكائه وألمعيته في القضايا الدبلوماسية، قدر ارتباطها بمقولتين، تفوه بهما في ذلك الحين.
أولهما جسد بها تجسيداً دقيقاً الفلسفة النازية في ميادين الثقافة والفن والأدب بقوله (عندما أسمع كلمة الثقافة أضع يدي على مسدسي)والثانية شكلت أحد أعمدة الممارسة النازية تجاه الشعب الألماني وبقية الشعوب، وفيها صاغ الممارسة العملية لحكومته وأركان نظامه بالعبارة التالية ( إكذب، إكذب، حتى يصدقك الناس).
وبطبيعة الحال وجدت هاتان المقولتان أراضٍ خصبة نمتا فيها خارج ألمانيا، وتحولتا إلى شجرة وارفة الظلال، فهما قد أعدتا للتصدير خارج الحدود، كما تفعل بعض الأنظمة الإقليمية حالياً.
بيد أن أكثر الأراضي خصوبة ومناخا واستعداداً لإنبات هاتين المقولتين الهمجيتين كانت في العراق مع الأسف الشديد، وتحولت الشجرة بسرعة قياسية إلى غابة لا يدخل النور من بين أغصانها وأوراقها لكثافتها، وتزاحم الشجر فيها!
وإذا غضضنا الطرف عن الفترات التاريخية البعيدة أو الموغلة في القدِم، سنؤرخ لهذه الظاهرة الخطيرة واللاأخلاقية في عراقنا الحديث منذ اغتيال ثورة الرابع عشر من تموز وقادتها الوطنيين في شباط الأسود عام 1963، عندما تولى البعثيون وحلفاؤهم الذين زفوا بقطار أمريكي، زراعة هذه النبتة السامة التي تناسلت في الأنظمة التالية، خصوصا في فترة المقبور صدام حسين وهي فترة طويلة نسبيا، استطاع خلالها ترسيخ هذه الظاهرة واستكمال بنائها.
إلا أن الإنصاف يدفعنا دفعاً إلى الاعتراف والإقرار، بأن مرحلة ما بعد سقوط الدكتاتورية، ومجيء نظام المحاصصة- الطائفية حاملا على بساط الأنا المتورمة مسؤولين وقادة، اخذ بعضهم يكذب حتى على نفسه، وليس على الذين إنتخبوه، وعامة الشعب العراقي فحسب.
ما هي العينات التي يمكن الاستشهاد بها؟ هل نبدأ من التصريحات الخرافية بأن العراق سيصدر الكهرباء الفائضة عن حاجته في نهاية عام 2013 إلى دول الجوار، وربما إلى أمريكا أيضا؟ أم نتحدث عن النفط وجولات التراخيص؟ أم عن ملفات الفساد المخبأة في أدراج المؤسسات المعنية ومسؤوليها حسب ادعاء كبيرهم؟ أم عن تسليم الموصل والمدن الأخرى إلى «داعش»؟ أم، أم....الخ.
إن أكثرها إيلاماً، ومدعاة للسخط والغضب الجماهيري المقدس، هو الكذب الذي جاء على لسان الحكومة والكتل المتنفذة، من أن الشهيدين، وعشرات أو مئات المصابين من المتظاهرين السلميين، الذين دخلوا الخضراء مجدداً، ووصلوا إلى مكتب رئيس الوزراء، إنما رماهم «طير أبابيل» وليس بإطلاق الرصاص الحي عليهم، بعد التمهيد لذلك بالقنابل المسيلة للدموع.
أليس من حق هؤلاء المسؤولين، أن يطالبوا بالانضمام إلى سجل «غينيس» للأرقام القياسية، وفي المجال الذي لا يجيدون غيره، وهو الكذب الصريح؟!
أو على الأقل الفوز بجائزة من سيء الذكر «غوبلز» وهو في قبره؟