اعمدة طريق الشعب

تنطحه انته لـو أنطحه آني / عاصي دالي

عندما اتخذ قرار دول التحالف عام 2003 بإسقاط النظام السابق، تم توظيف الملف الطائفي باعتباره أقوى أسلحة الانقسام الداخلي، وقد أضحت المحاصصة هي مبدأ توزيع المناصب، واقتسام الكعكة في استلام المناصب الحكومية، التي باتت تدر على الأحزاب المتنفذة اموالا طائلة يدفع ثمنها الشعب العراقي وهو يئن تحت سطوة نظام المحاصصة المقيت، والذي يمثل السبب الأساسي لمشاكله وويلاته. وعلى الرغم من الحراك الجماهيري الذي انطلقت شرارته الاولى في شباط 2011، والذي طالب بإصلاح العملية السياسية من خلال رفض وتغيير نظام المحاصصة، وتعزيز المسار الديمقراطي في البلد، وتخليص العملية السياسية من ثغراتها ونواقصها، والتطلع إلى أن يجري التعامل بايجابية مع مطامح أبناء الشعب وإرادتهم في الإصلاح السياسي والقضائي الشامل، ومحاربة الفساد والمفسدين؛ إلا ان الكتل المتنفذة بقيت مصرة على التمسك بنهج المحاصصة والإقدام على المزيد من التسويف والمماطلة وعدم الالتزام بالوعود والمواعيد، ما أدى إلى ان يكون ذلك سببا مباشرا في الوصول الجماهير إلى ما هي عليه، واقتحامها البروج المحصنة وإقطاعيات البرلمانيين، بعد أن تجاوزوا كل منطق بالتعامل مع جمهورهم الذي وضع ثقته بهم. وهذا يذكرني بحكاية ذلك القاضي الذي وضع في رأسه قرنين، وأخذ ( ينطح ) بها كل من يترافع لديه. فأشتكى الناس ذلك الى الملك، فاستدعاه وقال له: هل صحيح ما سمعته عنك بنطح الناس. أجابه القاضي: نعم يا سيادة الملك لقد أتعبوني كثيرا ولم أجد سوى ذلك. ثم دعا الملك إلى الحضور إلى قاعة المرافعات بعد أن أعد له مكانا للاختفاء عن أنظار المتخاصمين، وبعد ذلك نادى على المشتكي الذي قدم دعوى يطلب فيها إعادة أمواله من شخص استدان منه مبلغا لم يعده إليه. فنادى القاضي على ذلك الشخص، وقال له بعد اعترافه باستدانته المبلغ: لماذا لم تعده؟ فقال: يا سيدي القاضي عندما اجمع المبلغ واذهب إلى بيته يقولون لي انه مسافر، وعند عودته أكون قد صرفت المبلغ! فقال القاضي: إذن ما الحل؟ قال: يا سيدي القاضي دعه في السجن، وأنا اذهب وعندما اجمع المبلغ احضر أمامكم وأسلمه إليه.
فما كان من الملك إلا أن خرج من مكانه صارخاً بـ القاضي: «تنطحه انته لو انطحه آني؟».