اعمدة طريق الشعب

كتل عابرة للطوائف ! / محمد عبد الرحمن

لعل من نافل الكلام القول ان الاصلاح غدا مطلبا ملحا، وحاجة ضرورية يفرضها تطور الاحداث في البلد. وان المطالبة به لم ترتبط بحدث معين او اجراء تقوم به الحكومة او مؤسسات الدولة المختلفة ، فهو مطلوب لوقف الانحدار الذي يتجه اليه البلد ، ليبدأ انطلاقة جديدة تعالج ما تراكم من اخطاء وخطايا ، بل وما ارتكب من جرائم طيلة الـ 13 عاما الماضية .
ما الذي اوصلنا ياترى الى ما نحن فيه؟ انه بدون شك مجموعة من العوامل المتشابكة والمتداخلة ، وكل منها له نصيبه في تشكيل صورة الحال الراهن ، المقلق والمخيف من جهة ، والذي يمكن تلمس امكانيات الخروج من عنق زجاجته من جهة اخرى .
ويبدو انه ليس في المستطاع تفكيك العوامل التي تشكل واقع بلدنا الراهن دفعة واحدة ، ولكن هناك قضايا تشكل مقدمات ضرورية لبدء عملية اصلاح حقيقية. وتأتي في مقدمة ذلك زعزعة اساس بناء نظام الحكم وادارته واساس تشكيل مؤسسات الدولة ، ونعني بذلك نهج المحاصصة المعتمد ، والذي تقاتل القوى المتنفذة تمسكا به ودفاعا عنه، فيما تعلن لفظا، وفي العلن، انتقادها له، وتتظاهر برغبتها في ان تتخلص منه .فهذا النهج المدمر له اثاره القاتلة على مجمل عمل مؤسسات الدولة وادائها ، وعلى حماية الفساد والفاسدين ، وضياع المال العام ، وفقدان فرصة تكوين المقدمات لبناء اقتصاد عراقي متعدد ، متوازن وديناميكي ، وتنمية مستدامة ، وخصوصا وان ما توفر من مال كان مبلغه كبيرا في ظل ارتفاع اسعار النفط في السنوات السابقة .
واذا نقول زعزعة نظام المحاصصة ، فان الادراك كبير للحاجة الى بناء وعي اجتماعي واسع يدرك اولا اهمية الاصلاح وضرورته. والمفرح ان هذا الوعي اخذ بالتشكل والاتساع ، ومؤشرات ذلك عديدة بما فيها تنامي حركة الاحتجاج الواسعة وتنوع المشاركين فيها. كذلك انتقاله الى صفوف الكتل المتنفذة ذاتها ، وما تشهده من اهتزازات وعملية فرز. وما الدعوات الى تشكيل كتل عابرة للطوائف الا واحد من تجليات ذلك . اضافة الى ما تعلن حركة النواب المعتصمين عن تحولها الى صيغة « جبهة الاصلاح « بغض النظر عن الدوافع والمحفزات لدعواتهم الى الاصلاح ، ونبذ المحاصصة ومكافحة الفساد . والمهم في هذا الشأن هو مدى الجدية في التمسك بذلك والمضي به حتى النهاية وتجسيده في الاقوال والافعال. لكنه في جميع الاحوال يبقى مؤشرا مهما على حالة الحراك التي تشهدها الكتل الحاكمة والمتنفذة .
والحال ان عملا كبيرا مطلوب وان الحاجة ملحة الى تنمية الوعي لدى قواعد الكتل المتنفذة وقواعدها الانتخابية، بان تلك الكتل هي المسؤولة بهذه الدرجة او تلك عن كل ما يسم المشهد الراهن من سوءات وهنات ونواقص وثغرات ، ومن تدهور في اوضاع الناس المعيشية وسوء الخدمات وغير ذلك ، بما فيه استفحال ظاهرة الارهاب وتمدد داعش واحتلالها اراضينا ، وفقدان الكثير الكثير من ارواح الابرياء، وتهجير الملايين ، وتعطيل الحياة العامة في المناطق التي احتلتها داعش ، وحالة الخراب والدمار التي حصلت فيها ، اضافة الى استباحة ارض الوطن وثلم سيادته وقراره الوطني المستقل .
ان ادراك هذا من قبل قواعد الكتل والاحزاب المتنفذة امر هام، لا سيما وان الاصرار على ترسيخ المحاصصة يرتبط ، بهذا الشكل او ذاك ، بتركيبة الكتل ذاتها وادعائها انها تمثل هذا المكون او ذاك ، او اختصارا بطابعها الطائفي الذي فيه ثلم للحياة والممارسة الديمقراطيتين ، مهما ادعت وحاولت التغطية على ذلك عبر اختيارها اسماء بعيدة عن حقيقتها وماهيتها .
ان تشكيلة هذه الكتل وبنيتها يعدان من الثغرات الجدية في الحياة الديمقراطية والبرلمانية في بلدنا ،حيث انها (الكتل) لم تتكون على اساس برامج وتوجهات سياسية ، بل انكفأت على هويات فرعية ، طائفية واثنية ، بعيدة عن مبدأ وقيم المواطنة. وهو ما شكل اضعافا جديا للمواطنة العراقية .
ان الحديث عن التوجه الى اقامة كتل عابرة للطوائف امر جيد، لكن المهم هو مدى الجدية في السير على هذا الطريق ، وما اذا كان هذا الحديث مجرد استجابة عابرة لضغط الحراك الشعبي . فالمطلوب هو تطابق الشكل والمضمون، والى ان يتحقق ذلك يبقى ضروريا استمرار الحراك الجماهيري والالحاح على الاصلاح ، فذلك هو المعول عليه في قطع الطريق على المماطلة والتسويف، والالتفاف على هذا المطلب الشعبي الملح .