اعمدة طريق الشعب

ماذا يحدث؟ / قيس قاسم العجرش

لا أحد يُهدي النصر مجاناً للقوات العراقية المُقاتلة في الأنبار. النصر تكتبه فوهات البنادق العراقية إطلاقة فإطلاقة، وتعمّده بالدّم قطرة فقطرة.
لا احد يمنّ على العراقيين بنصرهم، فهو وليدهم وحدهم، لا طائرات مسيّرة أميركية حققته، ولا مساعدات أوروبية، ولا مستشارين ايرانيين، ولا مؤتمرات أممية؛ من يسقط اليوم في القتال هم العراقيون وحدهم.
بالأمس تحررت الصقلاوية، وهي بلدة (قبل الفلوجة وبعد الرمادي) على الضفة اليسرى لنهر الفرات، لو كان المسافر ينزل فيه جنوباً.
الآن تطوّق الكمّاشة الارهابيين المتمترسين في الفلّوجة بفكّها الذي يضيق شيئاً فشيئاً.
نعم لا يمكن دخول الفلوجة خلال ساعات، لأن المقاتلين الذين يقتحمونها الآن ليسوا قتلة وليسوا عشّاقاً للخراب مثل الخندق المقابل لهم. وبالفعل بدأت العوائل التي تمكنت من الهرب باللجوء الى سواتر القوات العراقية، لكن الارهاب أوصل رسالته بأن أرسل اليهم انتحارياً عفناً كي يذيقهم الموت وهم يركضون باتجاه الحياة.
لا شيء جيداً في هذه الحرب، إلا أنها يعوّل عليها في إعادة رسم الهوية العراقية الوطنية على أسس تتعلق بالأرض. والعظيم في الأمر، وهو ما يحسب لأفراد القوات الأمنية فرداً فرداً ، إنه لا توجد أرض تم تحريرها من دنس داعش الّا وقد احتفظ بها المحررون. لم تخسر القوات العراقية شبراً واحداً منذ عام 2014 لحساب داعش، ولم تتراجع عن أي أرض محررة.
صورة الدمار والخراب التي يخلفها داعش كأثر على الأرض وعلى الانسان لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، لكنها صورة تهون فيما لو قورنت بالصورة التي سعت عصابات داعش الى رسمها حيث وصلت براثنهم. بمعنى آخر ان هذا الوطن يرتفع سعره يومياً لدى ابنائه. والذين سقطوا من أجل تحرير الفلوجة لديهم ابناء وآباء وأقارب وأحبّة لن يقبلوا بأن تكون الفلّوجة (مرّة ثانية) طبقاً في عراك الديكة السياسية - الطائفية. أتصور ان هذه الصفحة يمكن أن تطوى من هذه النقطة بالذات.
بل إنها مناسبة لهذا الوطن أن يُحاكِم أولئك الذين انساقوا ليصبغوا كل شيء بلون الطائفية الكريه، ولم يبقوا فسحة للوطن يتنفس منها باسمه الحقيقي.
آلاف الشباب الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل أن تكون الأنبار وحدة وطنية متصلة بباقي العراق، هؤلاء لديهم(هوية) علينا ان نستنسخ نسخاً منها، لأنها الهوية العراقية الوحيدة التي يمكن أن تبني مستقبلاً لهذا البلد الحزين.