اعمدة طريق الشعب

حلبة الصحافة / ياسر السالم

حلبات الصراع في العراق عديدة، وهي مليئة بالمصارعين، وإن كان بعضها بعيداً عن الأضواء.
في حلبة الصحافة، يتنازل خصمان، الأول يريد الإمساك بممرات المعلومة، كي لا يفلت شيء منها، وبالتالي يحقق الهيمنة المرجوة، والثاني هو صاحب المصلحة في أن يظل تدفق المعومات سلساً.
الطرف الأول ذو عقلية سلطوية تجاوزها الزمن، والثاني هم الصحفيون الواعون لطبيعة عملهم، والمدافعون عن حق حرية التعبير.
يلجأ السلطوي إلى استخدام نفوذه للحد من النشاط الصحفي الحر، فيُشرع القوانين القامعة، ويطبق العقوبات القاسية، ويضخ الأرصدة المالية الضخمة رغبة منه في توسيع إمبراطوريته، لاستملاك المؤسسات الصحفية والعقول والأقلام.
نظرة فاحصة على الإعلانات الحكومية التي تتلقاها بعض الجرائد في الصباح، والقنوات التلفزيونية في المساء، تكشف في أي اتجاه يحرك السلطوي نفوذه، ليوظف المال العام لصالحه.
وحينما يفشل في تحقيق مبتغاه، ويجد أن المعلومات تفلت من يديه، كما يتسرب الماء من الكف، يلجأ السلطوي إلى الترهيب بكل أشكاله: الفكري والعنفي الملموس.
صحيح أنه لا يوجد صحفيٌ معتقل في العراق، وهو أمر ظلّت الحكومة تتفاخر به كثيراً أمام المجتمع الدولي؛ لكن الفجيعة التي يجري تجاهلها، أن أكثر من 400 صحفي قتلوا في 13 عاماً فقط، إضافة إلى الانتهاكات الفجة، من دون أن يلقى الجناة عدالة القانون.
وصحيح أن للإرهاب حصة كبيرة من الجرائم التي تُرتكب بحق الصحفيين والمؤسسات، ولكن لسلطات الدولة ومؤسساتها حصة في الانتهاكات، يستحيل غضّ الطرف عنها.
ولعليّ استدعي هنا تعزيزاً لما ذكرت، جملة واقعية وردت في شهادة مصور صحفي تضمنها تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، حيث قال: حمل الكلاشنكوف في بغداد، أهون بكثير من حمل الكاميرا !
رغم ذلك، يتأكد فشل السلطوي.. لماذا؟! لأنه لم يعد ممكناً القبض على الإعلام.
فلم يعد الإعلام مجرد صحيفة أو إذاعة أو قناة تلفزيونية وموقع الكتروني، بل تعداه ليشمل كل مواقع التواصل الاجتماعي، التي يمكن الولوج فيها من خلال أجهزة صغيرة توضع في الجيب!
لا يستوعب السلطوي، إن حجب خدمة الانترنيت لم تعد فكرة مجدية، مع تطور وسائل وبرامج كسر الحظر.
لا يستوعب السلطوي، أن الإعلامي، لم يعد ذلك الشخص الذي يمارس مهنة الصحافة ويمتلك هوية «النقابة»، لكنه يُصر على أن تتضمن قوانينه هذا الشرط.
لا يرى السلطوي هذا الواقع، لذا فهو يخطئ في التعامل معه، ويفضح أمره، بدلاً من أن تستره سطوته المزعومة على الإعلام.
لا يريد السلطوي أن يفهم، إن حرية الصحافة تفرض نفسها بتطور وعيها وأدواتها، وأن القبض عليها، بالمال تارة، وأخرى بالعنف، صار بواقع الحال أمراً مستحيلاً..
لذلك فهو يقول في عيد الصحافة العراقي: «لابد من بناء الصحافة على أسسٌ سليمة..»