اعمدة طريق الشعب

صناعة المدنيّة / راصد الطريق

المدنيّة ليست كلمة جميلة في القاموس. وليست اهميتها بانها تنتسب الى المدينة. المدنية حصيلة مسعى المدن وناسها الى التقدم، ونتاج ثقافة الناس وتطور البلاد.
لماذا نشعر بالأسف ونحن نتحدث عن بغداد اليوم، وهي عاصمة البلاد والعنوان الواضح لمستوى تقدم الشعب والبلد؟ السبب اننا نقارنها ببغداد الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات. بعد هذا جاءت الحرب، او صدر الامر الدولي بايقاف التقدم وعلينا ان نرجع خطوات الى الوراء! اختفت الشوارع النظيفة المشجّرة وفقدت الوزيرية والمنصور والكرادة خصائص تقدمها وميزاتها الخاصة. اختفت الكازينوهات الانيقة النظيفة.
كان في بغداد الستينيات والسبعينيات خمس مقاهي مختلطة. وكانت في السعدون وشارع فلسطين معاهد تعلم الموسيقى ومعاهد تعلم الرقص، والسينمات تعمل دوراً ثانياً في الليل. وحتى أواخر السبعينيات كنت اضع « العلاقة « في باب الدار، لأجد صباحاً الصمون الحار وأجد قنينة الحليب على سياج الدار وساعي البريد يطرق الجرس حاملاً ما وصلني من رسائل وكتب ومجلات.
ماذا فعلتم بالبلاد؟ وأين نحن الآن؟
ورش التصنيع، النجارة، الحدادة، غسيل السيارات .. في المناطق السكنية. البلوك مكعبات اسمنتية مرعبة مزعجة في كل مكان. نظام المرور مرتبك، الرونگ سايد اعتيادي، وعليك ان تلتزم الصمت. العيوب كثيرة مؤسفة، ولا أحد معنيّ بالمدنية ولا التمدن ولا حتى النظافة ولياقات المدن: بيارق، لافتات موتى، لافتات احزاب وصور كبيرة لزعماء او رؤساء كتل، خطوط بالالوان تشوه جدران بيوت الناس.
اكثر من هذا، سيارات القمامة تمّر في الاسبوع مرة، مرتين، ثلاث، لا بأس ولكنها لا ترفع الصفائح، المبردات القديمة، السلع المرمية.. هذه تبقى على جانبي الشارع، لان سيارة القمامة لا يتناسب عملها ومثل هذه، وتحتاج الى سيارة اخرى وعمال آخرين.
وهل هذه معجزة؟ امر صعب لا يمكن حله؟ سيارة حمل، لوري وعمال بلدية يمرون كل اسبوعين مرة ويرفعون هذه المرميات الثقيلة وينظفون الشوارع والازقة. كيف يحملها الناس واين يرمونها؟
لا احد غير آليات وعمال امانة العاصمة. ليس سهلاً على المواطن رفعها، واذا رفعها اين يلقيها؟ نحن نبحث عن جواب عملي معقول وممكن.
يا امانة العاصمة، العاصمة بغداد والمدن العراقية التي كانت نظيفة حلوة، انها تفقد مدنيتها بسبب اهمالكم، او بسبب افتقاد الذوق والتحضر، فلا انتباه لما يجب الانتباه إليه..