اعمدة طريق الشعب

أَسْرَارُ الخَرَابِ! / يوسف أبو الفوز

خلال زيارتنا الى بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، كان جَلِيل غاضباً وهو يتحدث عن تلك الابواق الاعلامية التي تنفخ في موقد الطائفية مثيرة الكثير من الدخان ـ حسب تعبيره ـ التي تشوش على الناس رؤية الحقائق وتشعل نيران البغض والكراهية : أفهمُ تقريباً الدوافع التي تقف خلف إعلاميين من بعض الدول العربية الذين يتباكون على «الفالوُجة «، كما يلفظون اسم «الفَلوجة»، وهم يرون قواتنا الباسلة، بمختلف اصنافها، تحقق تقدماً لكسر شوكة الارهاب وتسجل نصرا من بعد نصر لهزيمة عصابات «داعش»، لكن هؤلاء الاعلاميين، ابناء الوطن، الذين يدعون الحياد، ويدسون السُم في العسلِ متباكين على العراق، هم المساهمون الاساسيون في خراب البلاد!
كنت اصغي باهتمام، فلايام ونحن نتبادل الاحاديث والوقائع حول أهمية ان يكون لدينا إعلام نزيه وموضوعي وصادق ليساهم في التأثير على الناس، فمعركتنا مع الارهاب ليس فقط في ساحات القتال الامامية، انها في كل مكان من الوطن، وان «داعش» يمكن ان تلبس عدة اثواب ، ومنها ثوب الفساد الاداري والمالي. كنت اقول : ان الاعلاميين من مهامهم الاسهام في تغيير واقعنا المزري والمتخلف من خلال أعتماد المعايير المهنية والانحياز للحقيقة واعمال الخير والتقدم !
شاركتنا سُكينة الحديث وسألت : وماذا عن هؤلاء الإعلاميين الذين يهرجون ليل نهار ويرون في كل سكان المحافظات الغربية حواضنا للدواعش، وفي المقابل هناك من يعتبر كل قوات الحشد الشعبي البطلة مجرد ميليشيات منفلتة وعصابات نهب وسلب ؟!
قال جَلِيل بحماس: عن هؤلاء نتحدث. فهم لا يملكون صدقا في التعامل مع تطلعات الناس . هؤلاء إعلاميون من دون صلة وثيقة مع الحقيقة ومع هموم الناس . إعلاميون من دون ثقافة حقيقية. هؤلاء خربوا البلاد، شوشوا عقول الناس . خربوا مفاههيم الناس وفهمهم للاحداث، وللاسف يقف خلف هؤلاء البعض من السياسيين الذين لهم مصالح خاصة في استمرار الخراب من حولنا.
قالت زوجتي : ان الخراب مستمر، من زمن المقبور صدام حسين، الذي خلف لنا بلدا محطماً وشعباً يئن تحت تركة ثقيلة ، وجاءت حكومات المحاصصة الطائفية لتحاول ان يمتد الخراب عميقا في النفس البشرية.
سعل أَبُو سُكينة، فأنتبهنا له . فنادى على سوزان ابنة جَلِيل لتقترب منه. ثم وجه كلامه إلى الجميع : كل كلامكم من ذهب. أن هذا البلد لا يمكن بناؤه من جديد الا اذا بنينا الانسان، الذي خربته حروب الطاغية المقبور وسنوات الاحتقان الطائفي وما نتج عنها، وهذه مهمة صعبة وتحتاج جهودا جبارة. وسوزان ستحكي لكم ما قرأته لي قبل ايام .
وحكت لنا سوزان، كيف أنها قرأت لابي سُكينة قبل ايام، حكاية وجدتها في احد مواقع التواصل الاجتماعي تقول ان أبا كان يقرأ في جريدته، لكن أبنه الصغير لم يتوقف عن مضايقته بطلباته، فأراد الاب إشغال الابن، فقام بتقطيع احدى صفحات الجريدة، وهي تحوي خارطة للعالم، الى قطع صغيرة، وطلب من الابن ان يعيد تركيب خارطة العالم مثلما كانت، ظانا انه سيحظى ببعض الوقت خلال انشغال الابن . وتفاجأ الاب ان الابن ركب الخارطة بسرعة قياسية! فأستغرب من ذلك ّ. من أين لابنه الصغير كل هذه المعرفة بالجغرافيا؟ أتكون أمه تعلمه ذلك دون ان يدري؟ او ... ! وكشف الابن السر في ذلك. كانت هناك صورة لأنسان على الوجه الاخر من صفحة الجريدة، وحين أعاد الابن بناء صورة الانسان أستطاع بسهولة اعادة بناء العالم !