اعمدة طريق الشعب

سياسات منقوصة / قيس قاسم العجرش

في مذكرات البريطانية (إيما سكاي) التي عملت كمستشارة مدنيةٍ لعددٍ من القادة العسكريين الأميركيين الذين خدموا في العراق(المذكرات صدرت عام2015)، تذكر حادثةً مهمة تضيء لنا نمطية التفكير والنتائج اللاحقة.
تقول إنها أيام عملها كمنسّقة مدنيّة في إحدى المحافظات العراقية منتصف عام 2003، استقبلت اثنتين من الموظفات الشابّات القادمات من مقرّ سلطة الائتلاف في بغداد. وهاتين الشابّتين طلبتا تنظيم لقاءٍ في عدد من نساءِ المدينة العاملات في مجال منظّمات المجتمع المدني، وبالتأكيد حضر عدد منهن. الموظفتين القادمتين بدأن بنوع من (الإستجواب) حول عمل كل واحدةٍ من النساء العراقيات الحاضرات، ولمّا صار في تصوّر البعض إنهن إزاء فرصة للحصول على(منحة) لمساعدة العمل المدني في المدينة، فقد بدأت كلّ واحدةٍ منهنّ تزيّن وتضخّم للضيفتين حجم العمل المدني الذي تضطلع به منظمتها أو جماعتها.
بعد بضعة ساعات عادتِ الشابّتان الى بغداد ومعهما تقرير.
تقول إيما سكاي:»عرفتُ بعد أيّامٍ أن زيارة هتين الشابّتين الى المدينة، كانت تهدف الى ترشيح شخصيةٍ نسويةٍ لتسلّم منصب حكومي مهم آنذاك، ولمّا عرفتُ من هي هذه الشخصية، تحرّكتُ بسرعة لمنع بريمرٍ من دعم عضويتها، كونها شخصية غير معروفة وليس لها ثقلٌ حقيقيٌ في نشاطات المدينة، فضلاً عن إن الاجتماع غلب عليه طابع الرّياء والاستعراض والمُبالغة(لأنهنّ سمعنَ أن في الأمر منحة مالية)، لكن... سبق السيف العذل».
وجرى تعيين تلك الشخصية الهامشية في المنصب خلافاً لرأي المُنسّقين العاملين بالفعل على أرض الواقع، والذين يعرفون بالتأكيد عن الأوضاع والناس فيها أكثر من الشابّتين الزائرتين لأول وآخر مرّة لتلك المحافظة ولبضع ساعات فقط.
هذا النموذج من التفكير السطحي السريع(والذي تكرر في مواقع أخرى لاحقاً)كان مثالاً حيّاً لعملية تغليب الإرادة التي يمارسها الأجنبي في العادة.
في ملف التعامل مع الإرهاب، تم سلوك ذات الطريق الملتوي، فقد وضعت الولايات المتحدة(ومعها كلّ الدول التي تدّعي محاربة الارهاب) شروطاً على العراق والحكومة العراقية قبل أن تقدم لهٍ الدعم في المعركة الكونية ضد الإرهاب. لا بأس بأن نرى الولايات المتحدة وحلفاءها وهم يدفعون مثلاً بملف المصالحة الوطنية في اتجاه التنفيذٍ، لكن أن تكون الأمور (شروطاً) على العراقيين، من قبيل الإفراج عن السياسي الفلاني المُتهم بالإرهاب، أو إصدار عفو عن السياسي الفلاني المُتهم بالإرهاب أيضاً، فإن أقل ما يقال عن هذه الشروط أنها متحللة من الالتزام الأخلاقي الذي تفرضه الحرب على الإرهاب.
سياسيوكم أولئك اخترتموهم بذات الطريقة التي وصفتها إيما سكاي، وصادف أنهم تمرّسوا بالإرهاب لاحقاً، لا أكثر.