اعمدة طريق الشعب

الفساد يعيث بالرقابة الصحية ! / د. سلام يوسف

هل بقى مرفق من مرافق الدولة العراقية التحاصصية الطائفية الإثنية لم يطله الفساد؟!
فمنذ زوال النظام البائد وبعد ان بث بريمر اللعين سمومه، ليس لدينا حديث الاّ المحاصصة، والكتل، والمتنفذين الحاكمين بأمر الطائفية والإثنية، ونتاجهم السيئ من المنتفعين والطفيليين، والخراب والتخلف والتراجع وتوقف العمران والمصانع والمزارع، و..و، وهذا واقع مؤلم صحيح يعيشه العراق أرضاً وشعباً وسماءً!
وللأسف الشديد، فليس من الغريب او المستبعد ان تئن تحت رحى الفساد، «الرقابة الصحية»، وهي إحدى أهم، بل الأهم من بين مرافق وزارة الصحة، بحيث أصبحت أسما بلا مسمّى وتحولت من «رقابة» من اجل تطبيق القوانين والضوابط الصحية الى «رقابة» سطحية وهامشية، عينها على جيوب الناس ودخلهم ورزقهم، والبحث في كل ثغرات القوانين والتعليمات لغرض الالتفاف عليها وحتى التلاعب بكلمات وردت في الضوابط لصالح زيادة ما يدخل في جيوب الفاسدين.
«الرقابة الصحية»، نظام عالمي، يعد المجس الرئيس لصحة المجتمع بالكامل وتعهد اليها مهمة صحية وطنية إنسانية من خلال نشاطها، وعملها وتفاعلها ونتاجها، وتُحسبُ عندها المخرجات الكاملة (بين المجتمع والمؤسسات) لمختلف الأنشطة الصحية والبيئية في البلاد، ومن خلال أداء الرقابة الصحية في دول العالم كافة، تُقاس درجة ومستوى تطبيق التعليمات والمحددات الصحية التي تحمي صحة المجتمع وبالتالي يؤشر الى رقي هذا المجتمع أو ذاك، ودلالاته في التنمية المستدامة، كل هذا فيما لو أدت الرقابة الصحية مهماتها بإخلاص وشرف ونزاهة.
إن المهمة الرئيسة للرقابة الصحية هي مراقبة الأهلية الصحية لكل ما يدخل جوف الإنسان من طعام وشراب، وأنها أمانة في أعناق المراقبين الصحيين تجاه أبناء الشعب، وهم المسؤولون عن كل المواد الغذائية سواء المصنّعة منها او تلك التي تدخل في إعداد الطعام، وهذا لا يمنع من أن تكون تلك المسؤولية، تضامنية بين المراقب الصحي وبين المواطن لضمان مجتمع معافى من الأمراض المختلفة.
ولكن في عراق المحاصصة الذي يعيش الفوضى العارمة، تجد الرقابة الصحية قد طالها وغزاها وعشش فيها التوظيف (الفاسد) للتعليمات والقوانين بما يخدم مصالح الفاسدين والطفيليين، ونتيجة لذلك، مضاف اليها الخراب الهائل الذي أحدثه النظام المقبور، فقد انحرفت البوصلة وأصبح اغلب المراقبين الصحيين أسرى أطماعهم الذاتية بعيداً عن الولاء للمواطنة الحقة والنزاهة والشرف، فأصبحوا عميانا عن سابق إصرار وترصد لا يرون المخالفات الصحية الصارخة وفي وضح النهار، خصوصاً فقدان ابسط مقومات النظافة، تاريخ نفادية المواد الغذائية وخزن المواد الغذائية المعلبة والمجمدة والمجففة غير الصحيح ناهيك عن دقائق الأمور والتي تعد من صلب عمل الرقابة ومنها شروط العمل في المطاعم والتزام العاملين بالنظافة ونظامية المطابخ وأدوات الطبخ وصولاً الى الشهادات والإجازة الصحية والتي هي الأخرى أصبحت مكبلة بقيود الضريبة والضمان الاجتماعي، فسحت المجال واسعاً أمام أمواج الفساد لتضيف (القوّة القانونية) في ممارسة الفساد الإداري والمالي.
لقد أصبح ذوو المهن الخاضعة للرقابة فرائس يخشون سطوة الرقيب وقلمه الذي لا يرحم في ممارسة الضغط من خلال فرض الغرامات او الغلق، وهذا لا يعفي أصحاب تلك المهن من تحمل المسؤولية في ما تؤول اليه الأمور جراء عدم الاكتراث وعدم الالتزام وإهمالهم تطبيق التعليمات الصحية المطلوبة.
حينما يتحول الولاء الى الدينار بدلاً عن الولاء للوطن والشعب والضمير وشرف المهنة، فهنا نستطيع ان نقول ان الفساد قد ضرب أطنابه وقد أصبح الأبيض اسوداً والشمس تغرب في مشرقها.
ان الفساد لا يدوم. ولأجل القضاء عليه يجب ان تجري عملية الإصلاح والتغيير التي يطالب بها الجموع الهادرة في ساحات الاحتجاج، ولأجل تأمين الإصلاح لا بد من المصالحة الوطنية ومن أجل تحقيق المصالحة الوطنية لابد من نبذ بل وطرد المحاصصة الطائفية – الأثنية والى الأبد ويصبح العراق حصة العراقيين وتصبح المواطنة هي الدين العمومي لهم.