اعمدة طريق الشعب

مولات وما أدراك ما المولات! / ودود عبد الغني داود

لم يلمس شعبنا العراقي منذ التغيير عام 2003 وحتى يومنا هذا اي نشاط حيوي يستحق الذكر او يتناسب مع حجم الاموال الهائلة التي وظفت إليه، حيث لم يتم على سبيل المثال انشاء مستشفى واحد في عموم العراق او مجمعات سكنية او مدارس او دور رعاية اجتماعية وغيرها من المشاريع التي تتناسب مع حجم الانفجار السكاني الذي يشهده البلد الآن، باستثناء التوجه الى انشاء (مولات)، حيث نجد هناك نشاطاً واهتماماً كبيرين من قبل بعض كبار المسؤولين، من اجل انشاء المزيد من تلك المولات، وبأعلى المواصفات، ضاربين مصلحة مئات الآلاف من المحال التجارية الصغيرة التي يعتاش عليها الملايين من ابناء شعبنا، بعرض الحائط، وغيرها من الاضرار العديدة التي ستنسحب على حاضر ومستقبل العراقيين الاقتصادي والاجتماعي.
دفعني الفضول لمعرفة ما يمكنني معرفته عن حقيقة واهداف تلك المولات، وذلك خلال تجوالي فيها والتمعن بحجم المصاريف التي تترتب عليها يوميا، من حيث ايجار المبنى الفخم وتأثيثه والصيانة العامة واجور الكهرباء ورواتب العاملين وغيرها من المتطلبات العديدة الاخرى، التي ستكون باهظة التكاليف بلا شك.
وخلال زيارتي لأحد المولات، اقتربت قليلا من (الكاشير) اي صندوق أقيام السلع المباعة، واستمررت بمراقبته عن كثب لمدة ساعة، شعرت بعد ذلك ان الوارد اليومي لا يتناسب مطلقاً مع حجم الانفاق. غادرت المول وفي محصلتي احتمالين: الاول ربما كنت قد اخطأت في تقديراتي الحسابية، والثاني لا يستبعد ان تكون هناك مؤامرة اقتصادية كبرى تحاك ضد العراق من قبل عملاء مرتزقة ينتهجون سياسة اغراق السوق العراقية ببضائعهم لغرض تحقيق هدفين: الاول ممارسة عملية غسيل الاموال، والثاني وضع العراقيل امام المصانع والمزارع الوطنية الانتاجية، وشل العقول وتحويل العراق الى بلد ريعي استهلاكي وسوق لتصريف السلع.
نأمل من اصحاب الاختصاصات الغيارى على حاضر ومستقبل شعبنا، الوقوف على حقيقة هذه المولات، وجعلها أسواقا لتصريف سلع انتاجنا الوطني. علما ان هناك اثنين وسبعين مصنعاً وطنياً كبيراً، بالاضافة الى المئات من المصانع الصغيرة في القطاعين العام والخاص، ما زالت مهملة والكثير منها معطل. حيث كان بالامكان تشغيلها والاستفادة من انتاجها والحفاظ على قوة العملة العراقية، وتشغيل الملايين من العاطلين عن العمل، للقضاء على البطالة والفقر.