اعمدة طريق الشعب

"نفط اسود، كاز، نفط .."/ راصد الطريق

من غير المعقول في بلد نفطي، تكون مشكلتنا مشكلة توفير النفط، وأي نفط؟ النفط الاسود .. سوّد الله وجوه الاعداء والفاسدين. ومن غير المعقول ان نرفع الشكوى ونجد عذراً، او نتبجح بالگاز! لكن هذا هو الواقع، وإذا سألت نفطياً مخضرماً سيهيل عليك "گونيّه" من الاسباب، وإذا به الحائر المسكين وانا البَطِر الذي لا يدري!
جلست صباح امس مع صديق صاحب "سكلّه". لا أديب ولا فنان ولا منظمة ولا مكتب، "سكله"! وطبعاً صار حديثنا عن الرمل والطابوق والحصى او السيد الحصو! الشكوى كبيرة من ركود السوق، ومن صعوبة دفع الايجارات واجور العمال. العمل متوقف!
لكن لماذا توقف العمل في البناء؟ الجواب لغلاء اسعار المواد، حتى غدا بناء دار يكلف مبلغاً يصبح معه أي ايجار خسارة وغير مجدٍ. ماذا يعني ان تبني داراً بمئتي مليون، ثلاثمائة مليون لتؤجرها بأقل من مليون دينار شهرياً؟ هذا عمل خاسر تجارياً حتى إذا كان ثقيلاً على المستأجر!
لكن لماذا كُلَف البناء غالية؟ اسعار المواد! الطابوق، الرمل، الحصو.. عدنا الى الدائرة الاولى ورحنا ندور فيها.
الدولة تبيع "تريلة" الگاز للخارج بـ مليون ونصف مليون دينار. كان اصحاب معامل الطابوق يشترونه من الخارج باربعة ملايين ونصف المليون! وانظر اللعب: بعد اعتصامهم انزلت الدولة السعر الى مليونين ونصف المليون لمعامل الطابوق العراقية، بينما تبيعه للخارج بمليون ونصف!
إذاً الگاز، وقود سيارات الحمل، سعره غير معقول، وهذا يزيد من سعر الطابوق. نعم، الكاز عجيب سعره: 450 دينار للتر الواحد. كم تحتاج سيارة حمل تنقل الرمل او الحصو، من مسافات بعيدة وسيطرات، اي طيلة نهار وبعض الليل؟ مبلغ كبير للگاز. فلو خفض سعر الگاز لخفض سعر الرمل والحصو. وقبلها لو خفضنا سعر النفط الاسود لانخفض سعر الطابوق. إذاً لـ "نزلت" اسعار مواد البناء!
ايها المسؤول، ايها المسؤولون، حل المشاكل بالتخلص من مسبباتها. لا ان نظل ننسج كلاماً وتعابير، والاعمال متوقفة. لا بناء ولا بيع مواد. معنى هذا لا عمل. عمال البناء عاطلون، وعمال بيع المواد عاطلون، وسواق سيارات الحمل عاطلون، ونحن نريد حل ازمة السكن، ونريد رفع مستوى الناس المعاشي!
اظن الرغبة في تحسين الاوضاع كاذبة. لا احد يفكر كيف يعيش الناس، فكيف يفكرون برفع المستوى المعاشي ومحاربة البطالة "حسب الاصول"! الاسباب مترابطة، وبالتالي مشكلة تولد اخرى.
وبيروقراطية القرارات والاحاديث من وراء المكاتب انما تدعو الى الاستهجان، بل وتثير السخرية!