اعمدة طريق الشعب

"صقر بيت فويلح" / قاسم السنجري

منذ أكثر من عقد والمواطن يستصرخ المؤسسات الأمنية لتوفير حلول ناجعة لضبط الأمن المتردي من خلال الاستفادة من التقنيات التكنولوجية للحد من عبور السيارات المفخخة والاشخاص الملغمين بأحزمة ناسفة، وما أن ظهر “مشروع صقر بغداد” حتى استبشر المواطنون بهذه الخطوة التي تسخّر التكنولوجيا الذكية في الكشف عن الإرهابيين الذين يستخدمون السيارة المفخخة سلاحا فتاكا في جموع المدنيين، غير أن جميع الاشياء الجميلة لا تكتمل في هذه البلاد التي نخرها الفساد وتفنن المفسدون فيها بابتكار الحيل والأساليب للكسب غير المشروع حتى ولو كان على حساب أمن وأرواح الناس، ومما يؤسف له أن تكون قوى سياسية نافذة وراء ما يجري من فساد من خلال المشاركة فيه أو غض الطرف عنه وفق القاعدة الذهبية للطائفية السياسية “طمطملي واطمطملك”.
قبل أيام خرج ضباط كبار في وزارة الداخلية واعلنوا البراءة من مشروع صقر بغداد، عبر تصريحات شككوا فيها بجدوى هذا المشروع ومصداقيته، وكان التركيز على الجانب المادي للمشروع حيث اهتم ضباط الداخلية الكبار في مؤتمرهم الصحفي بالسؤال عن الاموال التي جمعها من المواطنين وفي أية خزينة استقرت، دون أن يتطرقوا إلى الجانب الأمني ومدى فائدة هذا المشروع في الحد من التفجيرات الانتحارية وكشف السيارات المسروقة عبر عمليات التسليب التي لا يمر يوم من دون ان يطرق سمعنا خبر أو خبران عن حدوث مثل هذه عملية في حين تكتفي الداخلية بإعلانها.
محافظ بغداد الذي خرج في مؤتمر صحفي للرد على اتهامات الداخلية لمشروع صقر بغداد اكتفى بذكر الفوائد المالية للمشروع وكأن القضية الكبرى لوزارة الداخلية ومحافظة بغداد هي المال وليس أمن المواطن وسلامته والحفاظ على ممتلكاته، ولكن ما دام المواطن هو من يدفع ثمن أمنه مالا ودماً ليس على محافظة بغداد ووزارة الداخلية سوى الاختصام على واردات الأمن. فبعد اشهر طويلة من انتشار فرق صقر بغداد في نقاط التفتيش الحكومية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية وجمعها مبالغ مالية تعدت الـ٦٠٠ مليار دينار بحسب ما افاد به محافظ بغداد الذي عد المشروع من انجح المشاريع الاستثمارية التي درّت اموالاً كبيرة لخزينة المحافظة. قد يكون المبلغ الذي تحدث عن السيد المحافظ أكبر بكثير مما ذكره، وهذا ناجم عن إن الشركة المسؤولة عن تنفيذ صقر بغداد قد كررت جمع المبالغ مرتين بذريعة تجديد اللاصق ووضع علامات جديدة، وكذلك تم اجبار المواطنين اصحاب السيارات على الدفع بعملية “قطٍّ” رسمية وبعلم الحكومة، غير أن القائمين على الخلاف السياسي لا يتورعون عن استخدام اية ذريعة للإطاحة بالخصم الآخر وكان هذه المرة الكشف عن مشروع أمني قد يكون حقيقياً أو وهميا كغيره من مئات المشاريع الوهمية التي استولت على أموال الدولة.
يبدو أن كل شيء قابل للخوض فيه ضمن اللعبة السياسية التي تجيدها القوى المتنفذة، فلا يوفرون حتى التحصينات الامنية التي يجب أن تعمل عليها مؤسسات الدولة لإيجاد حلول للأمن الهش في بغداد والمحافظات، فهل تحول مشروع “صقر بغداد” من مشروع أمني يستخدم التكنولوجيا المتطورة في ملاحقة السيارات المشبوهة؛ إلى “صقر بيت فويلح” الذي لا يجلب لأصحابه سوى الأفاعي والعقارب؟.