اعمدة طريق الشعب

ثأر بغير ثأر / قيس قاسم العجرش

على إثر فاجعة الكرّادة الأليمة، والنكبة بفقدان المئات بين شهيد وجريح، سمعنا أصواتاً تدعو الى الثأر للشهداء عبر اكتساح المدن التي تحتلها داعش، أو إعدام الذين صدرت بحقهم قرارات قضائية وما زالوا ينتظرون التنفيذ.
بالتأكيد أن دماء الأبرياء لن تضيع، ولن ينسى العراقيون هذا الجرح، لكن أين وجب أن يكون الانتقام؟. أولاً لنتذكر ان الحكومة وجهاز الدولة (صاحبا الحق الشرعي باستخدام العنف)، وهما تكوينان لا ينتقمان. بل ينفذان القوانين والقوانين فقط.
لا يجب أن تكون للقوانين مشاعر، وبالتالي لا تطبّق حين تخبو المشاعر، ويعاد تطبيقها حين تشتدّ، ألأمور لا تجري هكذا.
في حوار مع مسؤول مطّلع، أورد الرأي التالي:» داعش لا يهمه أن يقتل عشر ضحايا، أو مائة ضحية. داعش لا يهمه أن تسقط الحكومة أو أن تسود الفوضى. داعش لا يهتم أن تقوّض الحكومة ويأتي ليحكم محلّها. كلّ ما يريده هو البقاء على واجهة الإعلام، بالطريقة التي أرادها دائماً، أي أن يكون في قمّة الوحشية وفي مقدمتها على كل الصُعُد».
ربما يكون هذا الرأي واقعياً، وربما يكون التحليل صائباً. لكنّي أظن أن الأولوية الداعشية فيها إضافات أيضاً؛ داعش يعاني الهزيمة، ومن خلفه الدول التي راهنت عليها تعاني الهزيم أيضاً. لنتذكر إن داعش وعناصره ليسوا إلا بشراً ( لا قدرات خارقة لديهم)، كل ما هنالك أنهم صاروا محطَ مراهنة إقليمية لتحقيق الخرائط السريّة. صاروا مِرود الموت في منظومة الفوضى وبديلاً عن كل حروب المخابرات السابقة أيام الحرب الباردة.
لهذا يجب أن نفهم حجم الخسارة التي يُمنى بها اليوم هذا التنظيم الإرهابي، هو حجم انحسار النفوذ الإقليمي السري المغذي له. وهذا التراجع لم يأت صدفة أبداً. ولم تتحرر الفلوجة وجرف الصخر وتكريت والرمادي بالمجان أبداً. لنتذكر أن (الإنتقام) الحقيقي هو بهزيمة الأهداف السياسية التي أرادها داعمو التنظيم الإرهابي، وليس الأهداف التي يعمل عليها التنظيم نفسه.
هذه الحقيقية العراقية الخالصة، وهي أطول عمراً من أي اتفاقٍ دولي مرحلي قد يجلب الأمن الى العراق.
الثأر الحقيقي هو أن يتحقق استقرار العراق بلا منّة من أحد. بلا مزايدة من أحد. وبلا أجندة سريّة يدسّها أحد. وهذا ممكن فقط بأدوات عراقية تهزم الإرهاب.