اعمدة طريق الشعب

فاسدون يؤلفون الدراما التلفزيونية! / ياسين النصير

لم يمنح التاريخ فرصة مثل ما يمنحها الآن للدراما التلفزيونية العراقية من أن تعيد تكوينها من جديد، وهي التي تمتلك ارضية خصبة انتجت فيها دراما عراقية بامتياز، هذه الفرصة، وقعت مع الأسف الشديد بأيد عراقية غارقة بالفساد، والمحسوبية والمحاصصة الطائفية والأثنية، ويطلب منها – كما هو معلن في عدد من الندوات واللقاءات بين المانحين، البنك المركزي، مثلا وغيره، بدراما عراقية جديدة، بعد أن لمسوا غياب الدراما العراقية عن ما يجري في العراق بينما نشطت الدراما المصرية والسعودية في فضح أساليب الإرهاب وآليات تشكله محليا وعالميا، ومسلسل "مامون وشركاه" دليل قاطع على أن الدراما المصرية شخّصت وتشخص البنية التي يتشكل الإرهاب فيها، في حين ان موضوعة الإرهاب ومن يغذيه ويتستر عليه في العراق أوضح واكثر مباشرة من أي بلد عربي آخر، وها هي التفجيرات المتتالية التي يذهب ضحيتها المئات من ابناء العراق شاهد على أن القائمين على الدراما العراقية فاسدون، بل ومشاركون لأنهم غير قادرين على بناء دراما حقيقية تدين الفساد والمفسدين والمرتشين ومزوري الشهادات وعدم الكفاءة في حكم بلاد غنية ومهمة محليا وعربيا وعالميا. هؤلاء المسؤولون الذين يظهرون في الفضائيات ويتحدثون عن الدراما العراقية مشغولون بحماية المفسدين وليس بكشفهم، ولو كانوا بالفعل يسعون إلى إدانة الإرهاب لأعطوا المهمة إلى من هو جدير بمثل هذه المسؤولية، ولكنهم ونتيجة لأصواتهم العالية والفارغة يدعون أنهم قادرون على قيام درامة عراقية تعالج مشكلات العراق وتفضح الحواضن العلنية والمتخفية للإرهاب باشكاله التدميرية والمالية.
أين يا ترى البنك المركزي من فساد مئات، بل آلاف الشركات الوهمية التي كانت تستلم مليارات الدولارات دون مقابل وتهربها إما لإيران أو دول الخليج لسد عجز ميزانياتهم على حساب قوت ومعاش ودماء العراقيين؟ ثم يأتي البنك ليمول الدراما؟ أليست هذه مفارقة؟ ثم هؤلاء الذين يتحدثون عن غياب الدراما وهم لسنوات كانوا كتابها وصناع هالتها الفارغة اين هم؟ الآن يتحدثون عن دراما عراقية مقبلة لأنهم شعروا أن ثمة توجه حكومي للدراما العراقية، فليحصدوا خيراتها قبل أن تذهب لمن يستحقها.
لا شك أننا نعيش في حالة وهم كبرى هي نتيجة المحاصصة وتقسيم الوظائف بين أحزاب لم تعرف يوما أنَّها ستكون في مركز الحكم والسلطة، اقول التاريخ لم يمنح أي بلد فرصة كما يمنحها الدراما العراقية، ولكن ما يعطل هذه الفرصة هو أن يلبس الفاسدون لباس الوطنية، ويتقدمون بمشاريع درامية جديدة، لا تكشف عن الفاسدين الحقيقيين بل تتستر عليهم وعلى حواضنهم. عندما تبحث عن أسباب الداء - كما تقول الحكمة اليونانية في الطب - ابحث عنها في بيتك.