اعمدة طريق الشعب

احترام الذات شرط لاحترام الآخر / مرتضى عبد الحميد

ربما تبدو المعادلة معكوسة، فقد اعتدنا على أن نقدم ونؤخر فيها، أي أن احترام الآخر، دليل على احترام الذات، وهو صحيح أيضا، إذا ابتعدنا عن الحذلقة اللفظية، فأحدهما يتمم الأخر ولا يتعارض معه.
في عراقنا المستوفي لكل شروط الخراب والدمار، والانحدار بسرعة قياسية صوب الكارثة، ترى العديد من قادته الأشاوس، لا يحترم الرأي الأخر، بل لا يفكر حتى في الاستماع إليه، وبالتالي لا يسمع إلا صدى نفسه مع الإصرار المرضي على أن رأيه هو الصحيح، لا يأتيه الباطل من أمامه، ولا من خلفه. أما رأي غيره فهو الخطأ بعينه، وعصي على الإصلاح.
لا شك أن هناك أسبابا كثيرة لهذه الظاهرة المتخلفة، لكن سببين يسيران بخطين متوازيين، أراهما الأبرز في المنظومة الفكرية السياسية والأخلاقية لفرسانها، أولهما المصلحة الذاتية الأنانية، والمغانم التي حصل عليها المسؤول في غفلة من الزمن، ولم تكن تخطر على باله حتى في أكثر أحلامه فنتازية، ولهذا لا يريد التفريط فيها، ويتشبث بكل ما من شأنه إبقاؤها على حالها دون تغيير ، ساعيا إلى تأبيدها، وإيجاد الغطاء الشرعي لها وأن كان كاذباً أو مزيفاً.
السبب الثاني، انه تعود منذ الصغر، على أن الاعتراف بالخطأ عيب ما بعده عيب، وانتقاص من شخصيته، ومن موقعه الاجتماعي والوظيفي، أن كان له مثل هذا الموقع، ولهذا يخشى الاستماع إلى الرأي الأخر والتفاعل معه، لئلا يضطر إلى اكتشاف الحقيقة في خطل رأيه، وخطئه الواضح للجميع إلا هو، وقد يصل البعض أحيانا إلى قناعة، بأن رأيه أو موقفه ليس خطأ وحسب، وإنما يقترب من الجريمة، إن لم يكن الجريمة ذاتها، ومع ذلك لا يتزحزح عن موقفه قيد أنمله.
إن احترام الذات ينبع من فضيلة الاعتراف بالفشل أو الخطأ، ثم الانسحاب من موقع المسؤولية، ليتولاها آخرون، قد تتوافر لهم الإمكانات والقدرات للنجاح فيها، واحدث مثل على ذلك ما قام به ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا ،عندما أعلن استقالته من رئاسة الحزب والوزراء، اثر تصويت أكثر من خمسين في المئة من شعبه على الخروج من الاتحاد الأوربي، فقد اعتبر هذه النتيجة فشلا لسياسته وله شخصيا، فآثر الانسحاب من المشهد السياسي، مدللا على امتلاكه قدراً كبيراً من احترام الذات، وبالتالي احترام شعبه، والمصوتين ضد مشروعه، دون أن تأخذه العزة بالإثم، والادعاء بأنه «القائد الضرورة» ولا مستقبل لبريطانيا بدونه، كما يفعل البعض من ساستنا وقياداتنا «الحكيمة».
لم نسمع أن أحداً من رموز السلطتين التنفيذية أو التشريعية، وما دونهما، قدمّ استقالته إلا ما ندر، أو اعتذر للشعب العراقي، رغم انه ساهم في تدمير وقتل أبنائه، وارتكب من الآثام ما يعجز اللسان عن وصفه، وآخرها مجزرة الكرادة، بل أن البعض تواطأ مع أقذر خلق الله، وهم الدواعش، في احتلالها ثلث أراضي بلدنا، وجعل العراق يقبع في ذيل قائمة الدول الأكثر سوءاً و تخلفاً في العالم.
إنها المصالح الطبقية الطفيلية، مدافة بخليط عجيب من الكذب والتحايل وعدم احترام الذات، فضلا عن العداء للديمقراطية، وانعدام المشاعر الإنسانية، والتحول بقناعة الى عالم البهائم، مع سبق الإصرار والترصد.