اعمدة طريق الشعب

أي عيد مر علينا؟! / عبد السادة البصري

في كل بقاع الأرض ينتظر الناس العيد ليقيموا الأفراح ويتبادلوا التهاني مع أقرانهم وأصدقائهم وأقاربهم ومعارفهم وجيرانهم ، ويكون فرصةً لتصافي القلوب والنفوس والتصالح في ما بين الجميع.
في قريتنا الجنوبية حيث كنا نقيم في ستينات وسبعينات القرن الماضي كان العيد مناسبة لفرحنا جميعاً، وإذا حدث شيء يعكر صفوه يقوم كبار القوم بتصفية الأجواء وإبعاد شبح الخصومة عن الجميع.
أذكر مرة تشاجرنا مع جيراننا قبل العيد بأشهر وظل الخصام قائماً حتى قدوم العيد ، حيث أخذنا والدي
( يرحمه الله) لنهنئ جيراننا فاستقبلونا مندهشين أول الأمر وبعد لحظات زال الخصام عن النفوس وتصالحنا وعمت الفرحة المكان.
كانت هذه أخلاق الناس أيام زمان حيث لا بغضاء ولا تطاحن من أجل المصالح والمنافع الشخصية، لأنها تذوب في خضم العيش معاً، كنا لا نعرف للطائفية المقيتة اسماً أو شكلاً أو فعلا، ولم نسأل بعضنا البعض عن القومية او الدين او المذهب، بل يعرف واحدنا الآخر بأننا جيران وأخوة يجمعنا مكان واحد وهم مشترك واحد وفرح واحد أيضاً.
حين تعكر صفونا بهذا العيد جلست مع نفسي ساعات وأنا أقلب أيامنا الماضية التي كانت تشع صفاءً ومحبةً وأفراحاً مهما تكدر بعضها..
الذين كسروا قلوبنا وأقرحوها يوم العيد لم يكن همهم سوى تعكير صفو حياتنا وتشتيت شملنا وزرع الفتنة بيننا كي يصفو الجو لهم ليعيثوا فساداً في الأرض قتلاً ونهباً وخرابا.
صحيح إنهم أفجعونا بعصافير وأزهار وورود احترقت بنارهم البغيضة كي يخربوا عيدنا ويتركوننا نعيش الألم والفجيعة بدلا من الفرح ، لكن علينا أن نفوت الفرصة عليهم وان لا نمنحهم لحظة يشمتون بحزننا وتفتيت وحدتنا التي نسعى لتعضيدها وتعزيزها يوماً بعد آخر.
وصحيح أن الفاجعة كبيرة وتركت في نفوسنا غصةً جعلتنا نذرف الدموع أسىً وحرقة يوم العيد ..لكننا أقوى من كل مخططاتهم الدنيئة التي توارثوها بقلوب سود ونفوس صدئة تنز قيحا.
لهذا علينا أن نكون أكبر من كل شيء ونكشف زيف المزيفين والمتقنعين بأقنعة شتى ونفضح كل المتآمرين الذين باعونا بأبخس الأثمان إرضاء لأسيادهم ، ونقول لهم العيد سنصنعه بتكاتفنا وتعاضدنا وتآزرنا وتطهير كل شبر من أرضنا من دنسهم ورائحتهم العفنة.
العيد الذي مر كئيباً سنجعله نقطة انطلاق لبناء إنساننا الذي يريدون تدمير نفسيته.. وتعمير كل النفوس التي أرادوا صدعها.
ما علينا إلا أن نمد أيادينا لبعض ونحتضن بعضنا بعضاً ونصنع فرحنا وعيدنا الذي نريده نحن لا هم. هكذا تعلمنا من آبائنا وأجدادنا الذين أسسوا هذه البلاد ودافعوا عنها بكل ما يملكون.