اعمدة طريق الشعب

مَصِيرُ المُتحاذِق! / يوسف أبو الفوز

أن الانتصارات التي تحققها قواتنا المسلحة بمختلف صنوفها وإندحارعصابات داعش الاجرامية في محاور عديدة، ومع بقاء المحاصصة أسلوبا لادارة الدولة عموما، وما نتج عن ذلك من ويلات، وتعمق الأزمة السياسية في البلاد وأقليم كردستان ايضا، وتواصل الاحتجاجات المطالبة بالاصلاح والتغيير، فأن كل ذلك يشير الى ان بلادنا مقبلة على اصطفافات سياسية جديدة، ترسم، بهذا الشكل او ذاك، ملامح جديدة للخارطة السياسية. وان مأساة محرقة الكرادة، حيث أختلطت الاعراق والاديان للشهداء، وما تبع ذلك من رد فعل شعبي وحدّ مشاعر العراقيين، كان اشارة عميقة لكل سياسي بأن الشعب لم يعد يحتمل اكثر من ذلك. ومن بعد مشاهدة بعض من صور الشهداء، خصوصا من الاطفال الذين شوتهم نيران الغدر، سألني صديق اوربي : كيف يستطيع العراقي ان يواصل حياته في مثل هكذا ظروف؟
أخبرته ان العراقيين سيواصلون حياتهم، رغم كل شيء. لان التجارب والتأريخ علمتهم ان الحياة لا تتوقف. لقد باتوا يعرفون جيدا من هو القاتل، ومن يدعم استمرار القاتل في الاستمرار في جريمته ومن يتحاذق لاستغلال مصيبتهم. ولاجل حياة آمنة، سعيدة، سيواصل أبناء العراق البررة، النضال والعمل لفضح القاتل وحلفائه المباشرين وغير المباشرين وإقصائهم بعيدا عن حياتنا.
وفي زيارتي الاخيرة لبيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، كان الحزن يعم الجميع اثر أحداث الكرادة. خصوصا ان كل الحاضرين كانوا على معرفة ،قريبة او بعيدة ، بالبعض من الشهداء او عوائلهم. فعرضت للحاضرين، كل مادار بيني وصديقي الاوربي، وكل ما خطر في بالي أثر ذلك.
كان جَلِيل غاضبا، وصوته عميقا: لم يعد الحزن يكفينا، يجب ان نحول هذا الحزن الى غضب، الى عمل ضد كل مسببات هذا الفقدان لاجل رسم الصورة الجديدة لحياتنا القادمة، وان لا نسمح لاحد بالمتاجرة بدم الشهداء لاغراض طائفية واهداف حزبية ضيقة تزيد من الاحتقان الطائفي .
قالت سُكينة: لا يغيضني الا ساسة الصدفة، الذين واذ سمحت لهم ظروف المحاصصة البغيضة لتبؤا مواقع مهمة في قيادة الدولة، وصاروا يتحكمون بحياة الناس، باتوا يظنون ان ذلك سيستمر معهم للابد !
قالت زوجتي: المصيبة انهم يعرضون انفسهم كونهم مختارين لهذه المواقع وانهم عارفون ويفهمون بكل شيء حتى في ...
قاطعتها مكملا: قصدك يفهمون في الفيزياء والخطط الاستراتيجية وحجم ثقب الاوزون ومرض السكري واسعار الطماطة والبصل !
وقاطعني أَبُو سُكينة: ويعرفون أيضا أطيب جزء في البقرة المشوية !
وهذه حكاية سبق وان رواها لنا أَبُو سُكينة بنفسه عدة مرات، عن ملك غريب الاطوار، اعلن عن جائزة غريبة وفريدة من نوعها، بأن من يقدم اجابة صحيحه عن سؤال الملك سيحصل على وزنه كاملا من المجوهرات والذهب، ومن يقدم اجابة خاطئة يقطع رأسه ويعلق على جدران قصر الملك!
وتردد في المشاركة حتى من يعتبر نفسه ذكيا، خوفا من حيلة ما من الملك، الذي عرف ببطشه وبخله. فمن يضمن موافقة الملك على الجواب حتى لو كان صحيحا، لكن البعض من المجازفين قرروا التجربة، فقطعت رؤوسهم. وكان ثمة رجل مسكين يعمل فرّانا تعب من شقاء الحياة، فقرر المجازفة ، فدخل ووقف امام الملك وسمع السؤال وقدم الاجابة، وبعد ساعة خرج وجنود الملك يجرّون خلفه عربة محملة بالذهب والمجوهرات. وضج الجمهور بالتصفيق والتهليل، واندفع اليه احد المتحاذقين، ممن يظن نفسه عارفا بكل الامور، واحتظنه ليبارك له ولكنه همس له: ماذا سالك الملك؟ فقال الفران: سألني ما هو اطيب جزء في الدجاجة المشوية، فقلت له جلدها!
واندفع العارف بكل الامور بحماس واخترق الحراس ليقف امام الملك وهو يلهث : انا جاهز جلالة الملك؟ نظر اليه الملك مليا. كان واضحا له من تجربته وخبرته، ان من يقف امامه رجلا مدعيا، وغير عارف بالمأساة التي تنتظره، فذكره بأن الاجابة الخاطئة سيكون ثمنها غاليا. فقال المتحاذق، واثقا من نفسه: انا جاهز لكل شيء. فأضطر الملك لسؤاله: ما هو أطيب شيء في البقرة المشوية؟ ففرك العارف بكل الامور يديه فرحا وقال بثقة غريبة: جلدها يا جلالة الملك !