اعمدة طريق الشعب

الهرب الى الأمام / قيس قاسم العجرش

واحدة من معايير الحكومات الرشيدة، هو مدى التزامها وتعهدها بتفسير تصرّفاتها للرأي العام. وفي اللحظة التي تتصرّف الحكومة فيها على مبدأ»إنها تعرف الأصلح للناس أفضل مما يعرفون هم مصلحتهم»، أو إنها تمتلك الوعي الكلّي، وإن الناس مجرّد بسطاء لا يعرفون موضع صلاحهم، في تلك اللحظة؛ ستبدأ الدولة الاستبدادية بالنشوء. ثم نعود الى فصول رواية جورج أورويل (1984) الشهيرة.
اليوم جرّدة الحساب تتراكم أمام الحكومة التي نادت بالإصلاحات منذ سنتين، وبددت سنة كاملة في تفسير «الإصلاح» على إنه «تغيير وزاري» سحري، سيخرج وزراء المحاصصة، ويجلب محلّهم وزراء التكنوقراط المهنيين لا صِلات حزبية تكبّلهم. لكن فجأة صارت هذه الخطّة جزءاً من الماضي.
ولم تكلّف الحكومة، أو رئيسها، أو الوزراء الذين غادروا مناصبهم ثم عادوا اليها، نفسهم كي يقفوا وقفة صراحة مع الجمهور ليشرحوا لهم علاقة كلّ ما جرى بملف الإصلاح المُفترض.
حدث هذا والجماهير تتظاهر، وتطالب بإخراج المفسدين، وتطالب تحريك الملفات القضائية المتراكمة والمعطّلة. ومع هذا، لم تتكلف الحكومة عناء التفسير، أو التبرير. في الحقيقة وقفنا عند لحظة( الجنود الفضائيين البالغ عددهم خمسين ألفاً)الذين كرر رئيس الوزراء الاعلان عنهم عشر مرّات، ولم نسمع بإجراء حكومي عثرعلى الموظف الفضائي الذي يبلغ تسلسله (واحد)بعد الخمسين ألف القديمة.
بل لم تقدم الجهات الحكومية على بيان نتائج تحقيقها في تحديد المسؤولية في السماح بذلك العدد بالتراكم حتى وصل الى خمسين الفاً.
وفي العادة لا نسمع بنتائج التحقيق أبداً.
وبالرغم من أن ملف الإصلاح هو المعوّل عليه في تسيير أمور الدولة العراقية وأجهزتها، التي باتت تستدين وتقترض للإيفاء بالتزاماتها ودفع رواتب موظفيها. بالرغم من هذا، وبالرغم من الكم الهائل للقوانين والتشريعات الأساسية المعطّلة بين مجلسي الوزراء والنوّاب، فقد وجد الجميع وقتاً فائضاً لمناقشة قانون(حرية التعبير) الذي يكبّل الحريات أكثر ما ينظمها، وما إن استوعب الجمهور صدمة الإفلاس السياسي هذه، حتى عاجلته دوار الحكومة بعرض قانون(جرائم المعلوماتية) الذي سيجرّم الكثير من الآراء البسيطة التي يصدح بها المواطن بحريّة في فضاء التواصل الاجتماعي.
هذه ببساطة حركات قديمة، وأسلوب مكشوف للهروب الى الأمام، ومظهر من مظاهر التنصّل الحكومي من استحقاق مُهم ومصيري، وهو (ملف الإصلاح)، الذي بات جملة فارغة يرددها كثيرون من الذين شاركوا في شيوع الفساد بالأصل. لعبة إلهاء الرأي العام لن تنفع، مثلما لم تنفع في السابق. سأقول مدفوعاً بالأمل وصوت الناس: إلعبوا غيرها!.