اعمدة طريق الشعب

تحسبا لما بعد داعش !/ محمد عبد الرحمن

عاد الحديث مجددا عن تغيير وزاري محتمل. وبشأنه يدور جدل تصاعدت حدته بعد ان قبل رئيس الوزراء ، اخيرا ، استقالة عدد من الوزراء ، فيما يبقى في موقعه من لم يقدم استقالته ، كذلك من عاد الى موقعه الوزاري بعد قرار المحكمة الاتحادية بعدم شرعية جلسة الاقالة والاستيزار البرلمانية. وفي ما تبقى من التشكيلة هناك وزراء ينتمون الى كتل سياسية جرى قبول استقالة وزراء منها .
وتثير تركيبة ما تبقى من التشكيلة الوزارية العديد من الاسئلة عن الوجهة المقبلة لرئيس الوزراء ، واية تشكيلة حقا يريد ؟ وهل سيقبل استقالة كل من يقدمها له ؟ ومن اين سيأتي بالوزراء الجدد للتعويض عمن يقبل استقالتهم؟ وهل ان رئيس الوزراء راض حقا عن اداء وزرائه ومنسجم معهم ، وانه لا يريد اجراء هذا التغيير وانما لجأ اليه تحت ضغط الحراك الاحتجاجي؟
ويبقى السؤال الملح عن توجهات العبادي اللاحقة بشان وزارته يتصل بنوعية الوزراء؟ فهل سياخذ باراء من طالبوا بان تكون الوزارة من التكنوقراط المستقلين ، ام سيلجأ الى الكتل لسد الفراغ الحاصل بعد قبول الاستقالات ، وبالتالي يساهم في تكريس المحاصصة الضيقة ويستجيب لاملاءات الكتل السياسية ، التي كانت جميعا قد امتعضت كثيرا عندما بدا في لحظة عابرة ان التوجه قد حسم لصالح التكنوقراط المستقلين؟ وهل سيفضل العبادي مسك العصا من الوسط ، والقبول بتشكيلة هجينة من حيث الية التشكيل المعتمدة ونوعية الوزراء ، في مسعى لترضية كل من المتشبثين بالتحاصص والمطالبين بالتخلي عنه ، ويعد القبول بالتكنوقراط المستقلين مدخلا لذلك؟
والمهم هو علاقة كل هذا بعملية الاصلاح الحقيقية التي تشتد الحاجة اليها ، والتي بحت اصوات المطالبين بها لضرورات باتت شاخصة امام كل ذي بصيرة ، الا من اعماه جشعه وحسم امره مفضلا مصلحته الخاصة ومناصبه ونفوذه على مصلحة الناس واستقرار البلد ونموه وتقدمه. ويبدو ان الكتل المتنفذة عموما قد حسمت امرها لصالح الخيار الاول الاناني ، رغم الضجيج والصراخ بالشعارات التي باتت لا تقنع الا من يستفيد منها وتخدم مصالحه. في حين ان الناس المكتوية بنار الازمة وحرارة الصيف تتزايد اعدادها ويرتقي وعيها بحقيقة وطبيعة من يمسك بالسلطة من الكتل المتنفذة ، ويستغل الظرف الامني الراهن في البلد والحرب التي يخوضها شعبنا ضد داعش ، لخلط الاوراق والهرب من المازق وترميم مواقعه عبر النفوذ العسكري.
على انه لا بد من الاشارة الى ان الظروف المحرجة والصعبة التي يمر بها بلدنا تحتاج حقا الى حكومة في مستوى التحديات ، تمتلك برنامجا واضحا وملموسا لمعالجة ما يعانيه البلد ، وترسم التوجه نحو خيارات مستقبلية افضل لبلادنا ، مع الاخذ في الاعتباران الفترة القادمة ستكون فترة ما بعد داعش واستحقاقاتها على الصعد كافة. ومن المؤكد ان الامر لن يكون سهلا ، وان الناس التي ضغطت كثيرا على اعصابها وتحملت الكثير وقدمت الشهداء والتضحيات وفقدت ما تملك ، سيكون لها موقف مختلف.
ان التباطؤ في تشكيل الحكومة المطلوبة ، حكومة الكفاءات والبرنامج والاليات والسقوف الزمنية المحددة، ضمن تصور شامل للاصلاح ، هو سباحة خاطئة ضد التيار مع سبق الاصرار ، واضاعة للوقت ، وهدر للمال ، ووضع للبلد على كف عفريت ، بما في ذلك وحدته الوطنية وبقاؤه كدولة موحدة.
ان مرحلة ما بعد داعش لن تكون كما كانت قبل داعش. وان المنهج الذي قاد الى تمدد داعش واحتلاله ثلث اراضينا ، قد فشل بامتياز ، وان من يصر عليه عن عمد يريد كما يبدو ان ياتي بما هو اسوأ من داعش !