اعمدة طريق الشعب

جريمة: أن تعلم! / ياسر السالم

شرع مجلس النواب، وبعد عودته من إجازة طويلة ومريحة لأعضائه، في تقديم جملة مشاريع قوانين تتعلق بالحريات والمعلومات لإقرارها سريعاً، منها قانوني: حق الحصول على المعلومة وجرائم المعلوماتية.
فبعد جولة الصراع حول مشروع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي، التي انتهت بتأجيل إقرار القانون، لما لاقاه من رفض من منظمات وناشطين، لكونه مقيداً للحريات وحق الاحتجاج الذي اقر به الدستور؛ شرع المجلس في إدراج القانونين المذكورين على جدول أعماله، وكأن الأمر مقصود.. لا بل هو كذلك، وفيه رسالة إلى الجمهور المحتج مفادها: ضقنا ذرعاً بكم!
الواضح أن القوى المتنفذة في السلطة تختلف في كل شيء، لكنها تتفق على شيء واحد: الحد من الحريات. ذلك أن تقييد حرية التعبير وما يرتبط بها، فيه تأبيد لوجود هذه القوى في السلطة.
إثبات هذا القول، أمر ليس بعسير. إذ ليس على القارئ سوى الإطلاع على القوانين المتعلقة بالإعلام والحريات التي شُرعت في زمن النظام الدكتاتوري السابق (مواد جرائم النشر في قانون العقوبات رقم 111، قانون المطبوعات..الخ)، ليكتشف أنها لم تلغ أو تعدل، بل أن قوانين أخرى شُرعت حديثاً (قانون حقوق الصحفيين مثلاً) أعادت تفعيل هذه المواد الاستبدادية.
وواحد من أسوأ هذه القوانين المراد إقرارها، والتي يضعها المجلس على جدول اهتماماته، هو قانون جرائم المعلوماتية.
يؤخذ على مسودة القانون أنها لم تركز على الجرائم ذات العلاقة بالمعلوماتية، بل استخدم في اغلب موادها نظام نسخ الجرائم من القوانين الأخرى كقانون العقوبات وقانون مكافحة الارهاب وقانون الاتجار بالبشر وغيرها.
ويضع مشروع القانون سقفاً عالياً جداً للعقوبات، قياسا بالأنظمة الدولية المتبعة للجرائم المتعلقة بالمعلوماتية.
لكن هذه العقوبات المفروضة فيه، لا تتناسق مع نوعية الجريمة. فبينما تعاقب المسودة ما أسمته بـ"إشاعة الفوضى" أو "تكدير الأمن والنظام العام" بالسجن المؤبد، فأنها تهوّن جريمة غسيل الأموال بوضع فترة سجن أمدها سبع سنوات فقط!
القانون الثاني هو "حق الحصول على المعلومة"، وهو قانون أساسي في كل الأنظمة الديمقراطية، إذ يضمن حق المواطنين في الإطلاع على كافة المعلومات التي يحتاجونها.. سوى تلك التي تهدد الأمن القومي أو الوطني للدولة.
لكن المشروع العراقي لهذا القانون، لا يعرف ما هو الأمن الوطني للدولة، ويفرض جباية أموال (غير محددة) للحصول على المعلومة، ولا يحدد عقوبة لمن يمنع أو يخفي المعلومات المتاحة.. الأمر الذي يفرغ القانون من جدواه.
حسناً، هذا ما يجب أن يكون عليه واقع الحال في العراق كما يراه المتنفذون: سيكون من اليسير عليك أن تكون فاسداً، ولكن إياك أن تعلم ماذا يجري أو تنتقده !
يأتي ذلك في وقت صار فيه العالم يفكر بـ"مشاعية المعلومة" من أجل توسيع حدود الحريات. وفي وقت تجتهد فيه مؤسسات عالمية، لخرق العادة البوليسية لأنظمة الدول، ونشر معلومات تصنف أنها "سرية" حول طبيعة أنشطة تلك الدول: ويكيلكس أنموذجاً.
بهذه العقلية تشتغل قوى السلطة: فهي إزاء التزامات دولية لتشريع منظومة القوانين المتعلقة بالحريات والمعلومات والإعلام، ولكنها تريد سلب هذه الحقوق بدل أن تنظمها في إطار ما أتاحه الدستور العراقي..
بمعنى أخر: سلطة تخشى الجانب الدولي، ولكنها لا تستحي من شعبها !