اعمدة طريق الشعب

اذاً.. لماذا المفتش العام!؟ / منعم جابر

ما الفرق بين ضابط أمن الدائرة في النظام السابق والمفتش العام في الزمن الجديد؟ لقد كان ضابط أمن الدائرة في ذلك الزمن (الاغبر) عبارة عن رقيب تجسسي يتابع المناوئين وحملة الرأي المختلف وغير الحزبيين الموجودين في دوائر الدولة، ويعمل على الايقاع بهم لأي تصرف كان او كلمة ينطقون بها سهواً او عمداً، وهو اليد التي يعتمد عليها النظام المباد في ارهاب الاحرار والشرفاء. اما دائرة المفتش العام التي جاءت مع التغيير والاحتلال والمرحلة الجديدة، فانها جاءتنا بشيء لكنها ظهرت باشياء مختلفة. فقالوا لنا انها من الدوائر المستقلة، لكنها تعمل في خدمة الاحزاب النافذة. واكدوا انها مستقلة، لكنها خضعت للوزير واصبحت تحت امره ولا يمكن لها ان تقدم امراً الا بموافقته. قالوا لنا انها ستقضي على الفساد، لكنها والحق يقال انعشت الفساد والمفسدين لانهم اقوى منها. قالوا لنا انها وجه جديد للنزاهة والاصلاح، لكن الذي وجدناه شبيهاً بسلوك جماعة الزيتوني (ايام زمان)!
نعم، تأملناها خيراً للوطن والشعب في دائرة المفتش العام، لكن الذي حصل وتحقق، فيه الكثير من العيوب والنواقص والاخطاء في الفكرة والمنهج والتطبيق. فهي اولاً دائرة شكلت عبئاً مالياً على الميزانية وصارت مجالاً للتنافس والصراع على المصالح والمكاسب لهذا الحزب او ذاك، وهي دائرة خاضعة للوزير الاعلى الذي هو صاحب القرار، وبما انه ينتمي الى هذه الكتلة او ذاك الحزب، وجدناه حريصاً على حماية ابناء حزبه حتى وان كانوا فاسدين، وبسبب هذه المواقف المسبقة تحولت المصالح الحزبية الضيقة والفئوية السيئة الى درع لحماية الفساد والمفسدين.
قبل ايام راجعت دائرة المفتش العام في دائرة التقاعد بسبب ضياع اضبارتي التقاعدية، وسجلت شكوى وقدمت المعلومات المطلوبة، لكن الموظفة المعنية قالت لي: «راجع بعد شهر»، تعجبت من هذا الموعد وقلت لها: «هل يعقل هذا وانا متقاعد وتوقفت رواتبي منذ شهر شباط (والحبل على الجرار)؟»، ثم اضفت: «ايصح هذا في دائرة المفتش العام؟ هل نكتب في الصحف؟». قال: «نعم.. اكتب هذا ما تقدر عليه!».
قلت: «والمفتش العام ماذا يفعل؟». قالت: «لا يستطيع ان يؤثر.. هذا هو الحال!».
هنا يحق لي كمواطن ان اتساءل: اذا كان المفتش العام ودائرته غير قادرين على محاسبة المقصرين وتشخيص المتلاعبين وإحالة المتهمين إلى القضاء، الا بعد موافقة الرئيس الاعلى (الوزير) في دائرته، واذا وجدنا التلاعب والإهدار في المال العام والسرقات متواصلة في الكثير من المؤسسات الحكومية، فلماذا اذاً يوجد هذا الموظف الكبير وهذه الدائرة المهمة؟ واذا كان البعض لا يخشى لا المفتش العام ولا دائرته، فلماذا تظل هذه الوظيفة قائمة؟ أمن اجل الوجاهة والرواتب والمخصصات العالية؟ ام انها للمغانم والتقاسم؟ ام إسقاط فرض وحسب المحاصصة!؟