اعمدة طريق الشعب

الجنائز المعلقة! / طه رشيد

لم يدر في خلد السيد اشور بانيبال ان جنائنه المعلقة التي بناها في بابل سيكون لها مرادف حزين وسط الكرادة في بغداد. وكما أحرق الزمن زهور الجنائن، احترقت الكرادة بفعل الفساد الذي سمح للقتلة بالمرور، لتبقى الجنائز معلقة في رفوف العمارات شاهدة على إحدى جرائم العصر التي ارتكبتها قوى جاءت من خارج الزمن، من مزابل التاريخ لتنشر القتل والدمار وتقطف زهورا بالكاد تفتحت واينعت على أمل ان تساهم في بناء وطن متآخ وامن.
الجريمة لم تهز العراق فحسب بل هزت الضمائر الإنسانية في كل أرجاء المعمورة.. وانعكاساتها ما زالت مستمرة سلبا على منطقة بأكملها وعلى العوائل المنكوبة بشكل خاص. ترى من يداوي جروح هذه العوائل بعد أربعين يوما؟ وبمجرد ان تشير بمسؤولية المسؤولين في الدولة عن ترميم ما تهدم، يجابهونك بجواب جاهز: نحن مشغولون بالحرب ضد داعش! لا وقت لنا للانشغال بالتفاصيل. أصبح المواطن تفاصيل!.. وهذا يذكرني بأيام زمان، قبل عقود، ما ان تتحدث عن اختفاء» المعجون» او «البيض « من الاسواق، سرعان ما يأتيك الجواب جاهزا: مشغولون بالقضية القومية، وكل شيء من أجل المعركة. وكان الخاسر الأول وما زال، المواطن ولقمة عيشه ودمه والخدمات بمجملها!
من ينصف الصديق وحيد الخطاط الذي فقد 10 من أفراد عائلته في تفجير الكرادة، اية كارثة ان تفقد عشرة اوادم دفعة واحدة!
يجب ان لا تكون الحرب مع داعش عذرا لتوقف باقي مناحي الحياة. أجل يجب ان نحارب ونبني في نفس الوقت. وها هي القوات المسلحة وأبناء الحشد والبيشمركة والغيارى من أبناء هذا الوطن وبدعم من التحالف الدولي، يحققون انتصارات مهمة على الأرض. الحرب على داعش تستوجب فتح كل الملفات وأولها الفساد، فلولاه لما استطاع الارهابي دخول منطقة آمنة متآخية مثل الكرادة او بغداد الجديد او « الشعب». يجب ان تكون الحربان على خط متواز، ضد داعش من جهة، وضد الفساد من جهة أخرى. والحرب على الفساد لا تحتمل التلميح او الاكتفاء بالتصريحات واطلاق التهم والتهم المتبادلة كما رأى الجميع ما حصل في البرلمان في الايام السابقة!
الفاسد لا يختلف عن القاتل، كلاهما يوقفان عجلة الحياة. وعليه نتطلع لمحاكمات عادلة فورية للفاسدين كي لا يتسرب قاتل داعشي بين صفوفنا!